«كاهانا» حصان طروادة الأمريكى
سائق أجرة مبعوث «ترامب» لاحتلال غزة وتهجير الفلسطينيين

«الإرهابيون سيواجهون الرصاص فى المجتمعات المغلقة، وغزة ستكون مشابهة لميامى، ولكن دون ملعب جولف أو مسبح لن تكون جيتو. يمكنهم الدخول والخروج فى أى وقت، ولكن الهدف هو إنشاء مجتمعات آمنة ومستقرة بقيادة وحكومة محلية فلسطينية».
بتلك الكلمات لخص رجل الأعمال الصهيونى الأمريكى مردخاى موتى كاهانا «الذى بدأ حياته المهنية فى نيويورك كسائق سيارة أجرة والذى يدير حاليا شركة التوصيل العالمية «GDC»، فى أكتوبر 2024 ملامح اليوم التالى فى قطاع غزة عقب فوزه بمناقصة بقيمة 154 مليون جنيه استرلينى.
يكشف رجل ترامب أيضا عن وجود قوات فرنسية وبريطانية خاصة معه بقوله «هؤلاء هم جنود القوات الخاصة البريطانية والفرنسية. إنهم يعرفون ما يقومون به. هؤلاء أشخاص قاتلوا الإرهاب طوال حياتهم وإذا حدث أى شىء، فإننا سنبلغ سكان غزة بهذه الرسالة: أنتم لا تريدون التورط معنا. وسوف يفهمون أن قائداً جديداً قد وصل إلى المدينة».
لم تكن تلك المحاولة الاولى للإدارة الأمريكية سواء فى عهد « جو بايدن» برصيف مساعداته الإنسانية المزعوم والذى بناه من تراب غزة بجثامين الشهداء تحت الركام وكان مصيره التفكيك والفشل فى إبادة أهالى القطاع بحصارهم بسلاح الجوع من ناحية ودفعهم للهجرة بحرا وعادت أمريكا بسياساتها الثابتة رغم تغيير الوجوه ورغبتها الملحة فى احتلال غزة والسيطرة على مخزونه من الثروات الطبيعية خاصة الغاز.
غدا تبدأ شركة أمريكية توزيع مساعدات إنسانية فى القطاع من خلال 4 نقاط توزيع داخلية، وذلك تحت حماية الاحتلال فى خطوة أثارت موجة من التحذيرات الدولية بشأن عسكرة العمل الإغاثى وتحويله إلى أداة ضغط سياسى.
هذا الملف يتعرض بتشريح واف لسيناريو اليوم التالى فى قطاع غزة.
سفير جهنم وشركاه

«مشاريع خيرية» متهمة بتطبيق أجندة الاستخبارات الإسرائيلية، وهو المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة التوصيل العالمية.
ووُلد يوم 28 فبراير 1968 فى القدس المحتلة، وهو من أصول رومانية، إذ كان جده ديفيد كاهانا من الجيل الأول الذى حلم بتأسيس ما يزعم انها «دولة إسرائيل»، وشارك عام 1882 برومانيا فى مؤتمر فوكشانى التمهيدى لتأسيس دولة لليهود.
وفى عام 1986، جُنّد كاهانا فى سلاح الجو الإسرائيلى، وبعد إنهائه خدمته العسكرية، قرر السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1991 بحثا عن حياة مهنية أفضل.
وبدأ كاهانا حياته فى الولايات المتحدة سائق سيارة أجرة، واستطاع تكوين ثروة تدريجيا، وفى تلك الفترة عمل على تطوير نفسه فى مجالات متعددة، بدءا من التجارة الإلكترونية وصولا إلى صناعة الأفلام، كما استطاع تأسيس شركات عدة فى قطاع خدمات النقل.
يُعرف كاهانا بأنه «رجل الأعمال المتسلسل»، إذ أسس وأدار عددا من المشاريع التجارية الناجحة، إضافة إلى شركة التوصيل العالمية التى أصبحت جزءا من إمبراطوريته الاقتصادية، واتهم باستخدامها لتحقيق النفوذ الاستخباراتى الإسرائيلى تحت غطاء العمل الخيرى.
وفى عام 2011، أسّس كاهانا منظمة «أماليا»، وهى منظمة غير حكومية تُعنى بـ«دعم وتمكين النساء المسلمات فى الشرق الأوسط»، مع تركيز خاص على سوريا.
نفذت شركات كاهانا عمليات تهريب فى دول عدة لصالح إسرائيل من بينها تهريب الحاخام زيبولون سيمينتوف من أفغانستان عام 2021 بعد سيطرة طالبان على البلاد، وتهريب 200 طفل يهودى من أوكرانيا بالتعاون مع لجنة التوزيع اليهودية.
وفى سوريا، سهل كاهانا تهريب عائلة يهودية من حلب إلى «إسرائيل»، كما حاول نقل ألفى مخطوطة أثرية من كنيس حلب.
واتُّهمت شركته بتهريب مخطوطة توراة من اليمن عمرها 800 عام، ظهرت لاحقا بيد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، مما أدى إلى سجن حاخام يمنى بتهمة تسهيل العملية.
ويضم تحالف جهنم لتنفيذ سيناريو اليوم التالى فى قطاع غزة كلا من الاحتلال الإسرائيلى والمجلس الإسرائيلى الأمريكى. والوكالة اليهودية لإسرائيل واللجنة اليهودية الأمريكية واللجنة الأمريكية اليهودية المشتركة للتوزيع.
«نتنياهو» والبحث عن النصر الوهمي

تسارع حكومة الاحتلال الزمن من أجل فرض وقائع على الأرض، خصوصًا في عنوان الفشل الأكبر المرتبط بسيناريوهات اليوم التالي في القطاع وإقامة ولو نموذج مصغر عن إمكانية إنشاء نظام محلي وفق المقاييس الإسرائيلية.
ويبحث نتنياهو عن هذا النموذج باستماتة، فبعد عام ونصف من الحرب لم يتمكن الأخير من حصد صورة النصر المطلق التي بحث عنها كثيرًا، وأفقده المشهد الملحمي لاستشهاد يحيى السنوار، «قائد الطوفان» رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الكثير من تصوره حول هذه الصورة.
وكشفت خطط الإحتلال وحتى الرؤى الأمريكية الداعمة له عن قصور كبير في القدرة على إدراك واقع البيئة في قطاع غزة التي تعد مناعتها وصمودها الحضور الفصائلي على وجه التحديد، وتصل إلى حد التجذر الشعبي الكبير في معادلة المواجهة، والقدرة على الصمود والرفض لدرجة تفوق قدرة الحسابات العقلانية على التنبؤ بها، ويشكل الصمود والتمسك بالبقاء في شمال قطاع غزة أوضح نماذجها مرورا بوسط وجنوب القطاع رغم تحويل قوات الإجرام الصهيونية كل بقاع المنطقة لمسالخ ومحارق في أكبر إبادة بشرية عرفها التاريخ بشهادات المنظمات الدولية، فيما يكابر الرئيس التنفيذي للشركة الأمريكية بأن مشروعه لن يلقى مصير الميناء الأمريكي «رصيف بايدن» ويرى مراقبون أنه حسْم مبني على القصور نفسه في فهم المجتمع الغزاوي وتركيباته، كما أنه قصور في إدراك مدى تصلب وعمق البنية التحتية للمقاومة، القادرة على التصدي لكل جندي ومرتزق تطال أقدامه القطاع.
ضرب المفاوضات وفصل المقاومة عن المجتمع
تنصلت الولايات المتحدة من تعهدها كضامن لاتفاق وقف الحرب وإتمام صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة حماس وحكومة الاحتلال بهدف ضرب السلام المعلق فى القطاع وتنفيذ المخطط الصهيوأمريكى الشيطانى لدفع الفلسطينيين للهجرة القسرية وسط محاصرتهم بالمحارق والجوع والأوبئة.
وحاصرت واشنطن وتل أبيب المقاومة الفلسطينية بالأكاذيب وتحميلها مسئولية استمرار الحرب المسعورة حتى يتم تمرير الخطة المستهدفة.
وتشمل خطة ترامب إدخال ألف مقاتل أمريكى فى المرحلة الأولى، خدم أكثرهم فى جهاز «سى آى إيه» إلى حى العطاطرة، والسماح لأهالى الحى بالعودة إليه، وتقديم المساعدات لهم، وتعيين شخصية عشائرية فى منصب رئيس المجلس فى الحى. وفى حال نجاح التجربة ستكون النموذج التجريبى لإعادة إعمار غزة، وسيؤدى إلى تحييد السلطة المدنية لحماس فى القطاع.
وتشمل الخطة إقامة نقاط توزيع قرب محور موراج، جنوب رفح الفلسطينية ونقطة رابعة جنوب محور نتساريم، مع نية لتوسيع نطاق التوزيع لاحقًا ليغطى مناطق إضافية داخل القطاع. وتأتى هذه الخطوة تنفيذًا لاتفاق وقعه الاحتلال مع شركة أمريكية، ضمن خطة مشتركة لتقديم المساعدات الإنسانية لأهالى غزة.
وتعتزم الشركة تقسيم القطاع إلى سلسلة من «الفقاعات» و«المناطق المغلقة» الخالية من حماس، مع تولى شركته وشركة أمنية بريطانية تستخدم جنوداً سابقين من القوات الخاصة البريطانية للإشراف على الحركة فى هذه المنطقة.
وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، عن الشركة التى يُفترض أن تتولى هذا الدور شركة الأمن واللوجستيات الأمريكية «جى دى سى GDC»، المملوكة لرجال أعمال إسرائيليين وأمريكيين، والمتخصصة فى العمل فى مناطق الحرب والكوارث، استنادًا إلى الخبرة المكتسبة فى أفغانستان والعراق وأوكرانيا، وهى نشطة فى 100 بلد وتوظف أكثر من 14 ألف شخص.
وأوضحت الصحيفة العبرية أن الخطة تهدف إلى إنشاء فقاعات إنسانية فى غزة لا يوجد فى داخلها إلا السكان الذين يعيشون فى الحى، بعد الحصول على موافقة من خلال تحديد الهوية البيومترية.
كانت صحيفة «تلجراف» البريطانية، قد كشفت فى أكتوبر 2024 عن خطة لإرسال جنود سابقين من القوات الخاصة البريطانية لبناء مناطق «مغلقة خالية» من حركة حماس فى القطاع بالتعاون مع ائتلاف شركات أمنية يضم شركة أمريكية سيئة السمعة عملت فى العراق.
وأكدت الصحيفة أن المقترح يتضمن مشاركة إسرائيل مع شركات عسكرية خاصة لإنشاء مناطق آمنة لتسليم المساعدات والمساعدة فى إعادة إعمار القطاع المدمر جراء الحرب.
وعملت شركة «GDC» مع الشركة الأمريكية «كونستيليس» التى سيطرت على شركة «بلاك ووتر»، وهى شركة مرتزقة سيئة السمعة عملت فى العراق.
وغيرت شركة «بلاك ووتر» للخدمات الأمنية والعسكرية الخاصة، اسمها إلى «إكس إى سيرفيسز» بسبب ما لحقها من فضائح بعد الاحتلال الأمريكى للعراق. وعادت فى العام 2011، وغيرت اسمها مرة أخرى إلى «أكاديمى» بعدما استحوذت عليها مجموعة شركات منافسة، ثم ضمت لمجموعة «كونستيليس» القابضة.
وتم إدراج شركة «كونستيليس» كشريك رسمى على موقع «GDC» على الإنترنت، وعملت الشركتان معاً فى أوكرانيا. وتمتلك «كونستيليس» مجموعة «أوليف»، وهى واحدة من أكبر شركات الأمن الخاصة العسكرية فى بريطانيا. وقالت «GDC» فى بيان إنها أجرت ومقاولها الفرعى مناقشات مكثفة مع حكومة تل أبيب بما فى ذلك الحرب وقواتها ومكتب بنيامين نتنياهو بشأن أشكال هذه المبادرة.
الغاز مفتاح الصراعات الدولية

تؤكد كل المعطيات على الأرض أن الحرب القادمة فى المنطقة هى حرب على الغاز فى البحر المتوسط، باحتياطى ضخم حتى عام 2050، وتشكل حقول الغاز الطبيعى فى مدينة غزة ثروة مُعطلة لا يستفيد منها الفلسطينيون، ولا تتوافر حولها الكثير من البيانات، رغم بدء اكتشافها منذ أكثر من 24 عامًا.
وأشار خبراء إلى أن احتياطيات غزة من الغاز الطبيعى قد تكون الدافع الخفى وراء أطماع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالسيطرة على قطاع غزة وتهجير أصحاب الأرض.
ووصف بعض الخبراء فكرة ترامب بالسيطرة على غاز غزة بأنها الفكرة الأسوأ والتى «لن تنجح»، بينما رأى آخرون أنها قد تكون مجرد تكتيك تفاوض ذكى لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أوسع.
ونقلت مجلة «نيوزويك» عن بعض الخبراء أن اقتراح ترامب قد يكون مجرد ستار دخانى لإخفاء سياسة الطاقة التى يتبناها، فقد أشارت صحيفة «آسيا تايمز» إلى أن خطة ترامب تتعلق كلها بالغاز الطبيعى، بينما توقع أحد المتخصصين فى «بلومبرج» أن تظهر تقارير تربط بين اهتمام ترامب بغزة ورغبته فى الوصول إلى مواردها الطبيعية.
وكثيرا ما طالبت غزة بحقوقها فى مساحة من الأراضى تحت الماء تحتوى على احتياطيات من الغاز الطبيعى تقدر بنحو تريليون قدم مكعبة، الكمية الكافية لتزويد الأراضى الفلسطينية بالطاقة لفترة طويلة، مع إمكانية تصدير الفائض إلى دول أخرى، إلا أن مناقشة استغلال حقل غزة البحرى ظلت متعثرة لعقدين من الزمن بسبب الخلافات حول حقوق الحفر والتراخيص.
وبدأ اكتشاف حقول الغاز الطبيعى فى مدينة غزة فى أواخر عام 1999، على بعد 30 كيلومترًا من شواطئ القطاع، وعُثر على ما يزيد على 1,1 تريليون قدم مكعبة من الغاز فى المياه الإقليمية الفلسطينية.
وفى عام 2000، توصّل تحالف مكون من شركة «بى جى» (BG) التابعة فى ذلك الوقت إلى شركة النفط البريطانية «بى بي» (BP)، قبل استحواذ شركة شل (SHELL) العالمية متعددة الجنسيات عليها -الحاصلة على امتياز التنقيب من السلطة الفلسطينية- إلى كميات من الغاز موزّعة على حقلين أكبرهما حقل غزة مارين، على عمق 600 متر تحت سطح البحر، والحقل الآخر يُدعى بوردر فيلد، وهو أصغر سعةً ويمتد عبر الحدود الدولية الفاصلة بين المياه الإقليمية لقطاع غزة والمياه الإقليمية لفلسطين المحتلة وتسيطر عليه حكومة الاحتلال.
وتُقدر احتياطيات حقل غزة مارين بأكثر من تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ما يعادل إنتاج غاز بمعدل 1,5 مليار متر مكعب سنويًا من الحقلين معًا.
ويُعد حقل «مارين» أكبرها، ويحتوى على أكثر من تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ما يعادل طاقة إنتاجية تبلغ 1,5 مليار متر مكعب سنويًا لمدة 20 عامًا، وفق بيانات الغاز التى ترصدها باستمرار منصة الطاقة المتخصصة.
كما يعد حقل غاز مارى بي، الواقع على الحدود البحرية الشمالية للقطاع، ضمن حقول الغاز الطبيعى فى مدينة غزة،
وجرى اكتشاف حقل غاز مارى بى عام 2000، بسعة تبلغ 1,5 تريليون قدم مكعبة، وبدأت إسرائيل الاستحواذ على الحقل واستغلاله عام 2004، حتى جففته تمامًا عام 2011، بحسب المركز الفلسطينى للإعلام.
كما اكتُشف حقل نوا للغاز بصفته أحد حقول الغاز الطبيعى فى مدينة غزة عام 1999، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، وأشارت التقديرات إلى أن مخزون الغاز بداخل حقل نوا نحو 3 تريليونات قدم مكعبة، إلا أن تل أبيب بدأت الاستحواذ عليه واستغلال موارده عام 2012.
كما أشارت دراسة أولية أعدّها خبراء وسياسيون فلسطينيون عام 2014 إلى وجود حقل غاز فى بحر المنطقة الوسطى لقطاع غزة، مقابل مخيم النصيرات، على بعد بضع مئات من الأمتار عن الشاطئ، يضاف إلى حقول الغاز الطبيعى فى مدينة غزة. ومنحت وزارة طاقة الإحتلال فى أكتوبر 2023، تراخيص لـ6 منشآت إسرائيلية وشركات عالمية للتنقيب عن حقول الغاز الطبيعى فى مدينة غزة، فى مناطق بحرية تُعد، بموجب القانون الدولي، تابعة للسلطة الفلسطينية.
ودعت العديد من المؤسسات الحقوقية إسرائيل إلى إلغاء مساعيها للتنقيب الاستكشافى عن الغاز فى المناطق الفلسطينية قبالة ساحل غزة، مشيرة إلى أن ذلك يُمثل انتهاكًا للقانون الدولى.
وطالبت كل من مؤسسة «عدالة» لحقوق الإنسان، ومركز «الميزان» لحقوق الإنسان، الشركات الفائزة بمناقصات التراخيص، بالامتناع عن المشاركة فى أعمال نهب الموارد الطبيعية السيادية للشعب الفلسطينى.
وحالت تدخلات الاحتلال الإسرائيلى وأطماعه والأزمات والانقسامات الداخلية الفلسطينية دون استغلال حقول الغاز الطبيعى فى مدينة غزة حتى احتلت حكومة بنيامين نتنياهو والإدارة الأمريكية القطاع بحرب الإبادة الجماعية.