السوشيال ميديا فى هذا العصر قد أصبح لها تأثيرٌ كبيرٌ، فالأعم الأغلب يتعامل معها، وأصبحت هى مصدر الخبر والمعلومات. وبسبب طبيعة هذه المتوالية العنكبوتية، ما يُكتب فيها يصير كالنار فى الهشيم وبسرعة البرق، وباتت تشكل وعيَ المجتمع، وأصبح التفكير الجمعى وليدَ هذه القوة الجبارة التى تزداد يومًا بعد يوم. الأغلبية السائدة من الناس هم زبائن لمعلومات وأخبار غير دقيقة ومصطنعة لأهداف صانعيها ومروجيها. ونحن ليس لنا من الأمر شىءٌ سوى ردود أفعال لتلك الآلة العصرية الرهيبة التى تتسلل إلى العقل والقلب، وتشكل نمطًا لتفكيرنا وممارسةً لأفعال وأقوال وكتابات لا ندرك مدى خطورتها على المجتمع وقضايانا الأساسية. فنحن صرنا ترسًا يدور وفق ما خُطط له، ونحن نحسب أننا نحسن صنعًا، وتلك آفةٌ مجتمعيةٌ خطيرةٌ تعرض السلم الاجتماعى ونسيجَ المجتمع للتفكك والكراهية، بل قد تذهب أبعد من ذلك برفض التعايش السلمى واعتبار البعض أعداءً لا تستقيم الحياة معهم. وهذه مسألةٌ تشكل شرخًا كبيرًا وفجوةً لا يمكن إصلاحها.
فالسوشيال ميديا ليست مكانًا للمعلومة الموثقة ولا للخبر الصحيح، وهذه حقيقةٌ لا تغيب عن أحد. ومع ذلك، نقع فريسةً لتلك الأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة، وننساق وراءها للطعن فى شخص أو كيان أو دولة. وتستمر هذه الحالة من شخص لآخر فى هذا الترس الكبير وفق متوالية الشبكة العنكبوتية، ونحن أسرى لها. ومن ثم، نعيش فى غياهب ظلمات لأفكار شاذة ومعلومات ضئيلة تشكل لدينا بنيةً فكريةً مغلوطةً. ولهذا، يجب علينا الحرص كل الحرص على عدم أخذ الأخبار والمعلومات من السوشيال ميديا، وعدم استخدام تلك الوسيلة للرد والطعن والإساءة للغير، أيًّا ما كان هذا الغير: أشخاصًا أو كياناتٍ أو دولًا.
فلقد حدث هذا الأسبوع، على سبيل المثال، هجمةٌ فيسبوكيةٌ على الدول العربية الشقيقة: السعودية والإمارات وقطر، وذلك مع زيارة ترمب لهذه الدول وما حظى به من ود ومال فاق حدود المألوف، مما جعل الكثير يلقى بكلمات عنيفة على تلك الدول. والحقيقة المهمة والراسخة أنه لا يمكن أن تنفصم عرى الأخوة بين الأشقاء العرب، وإن كان هناك من نرى أنه أقل حماسًا للوحدة العربية وقضايانا المشتركة، فإنه من الأسلم والأوجب ألا نساعد فى فرقة، وأن نحافظ على البقية الباقية من عالمنا العربى المنهك. فليس من الحكمة أن ننفذ ما خُطط لنا وتأخذنا العزة بالإثم، فمصيرنا مشتركٌ لا محالة وقضايانا واحدة. فالمنشورات التى تسىء إلى الشعوب والبلدان والحكام العرب مردودها خطيرٌ، قد يترك جراحًا من الصعب التئامها. وهذا ما دعا السيد عمرو موسى بالأمس إلى مناشدة الشباب العربى ألا يتورط أحدٌ فى تبادل تعليقات عنيفة على السوشيال ميديا، إذ إننا نمر بمنزلقٍ حادٍ جدًّا يزيده علماء التشكيك والوقيعة خطورةً، إذ يستهدفون تدمير العلاقات بين الشعوب العربية بعد أن كادوا أن ينجحوا فى إحداث الفرقة بين النظم العربية. ولنجعل السوشيال ميديا منطلقًا إيجابيًّا لخدمة المستقبل العربى وليس العكس. فالعلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر عمودٌ رئيسيٌ للعالم العربى يُراد كسرُه حاليًا. علينا جميعًا أن نرعى هذه العلاقة وندعم مسيرتها. وهذه الدعوة التى أطلقها السيد عمرو موسى من الأهمية بمكان ويجب على الجميع أن يدرك أن الأمة العربية جسدٌ واحدٌ وكل الدم العربى واحدٌ، ولا نستجيب لدعاوى الفرقة، بل ندعم كل سبيل للتقارب العربى. فكل بلاد العرب أوطانى.