بوتين وترامب يبحثان السلام عبر الهاتف والغرب يشكك في نوايا موسكو

في وقت الذى تتعثر فيه الجهود الدبلوماسية واستمرار آلة الحرب بين أوكرانيا وروسيا على حد سواء، يلوح في الأفق متغيرٌ جديد قد يعيد رسم خريطة الصراع ، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتصالًا هاتفيًا مطولًا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ، الذي وُصِف الحديث بينهم بأنه "صريح وذو مغزى" ، ويعتبر تحولآ محتمل في المشهد الجيوسياسي، يفتح باب التساؤلات حول إمكانية أن تؤدي عودة فتح قنوات الاتصال بين موسكو وواشنطن

فهل نحن أمام بداية لتفاهم أميركي–روسي جديد؟ وهل يعيد بوتين وترامب رسم حدود الصراع بين البلدين..تستعرض الوفد فى السطور التالية تفاصيل المحادثة بين الرئيس الامريكى ونظيرة الروسى وترحيب وتشكيك من الاتحاد الاوروبى  

نبرة إيجابية ومفاوضات وشيكة..

بالتزامن مع أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء امس الاثنين، أن روسيا وأوكرانيا ستبدآن "فورًا" مفاوضات تهدف إلى وقف إطلاق النار، والأهم من ذلك إنهاء الحرب، واصفًا المحادثة الهاتفية التي جمعته مع بوتين بأنها كانت "ذات نبرة وروح ممتازتين" ، وقال ترامب إن شروط وقف إطلاق النار "سيتم التفاوض عليها بين الطرفين"، مؤكدًا أن الجانبين يعرفان التفاصيل التي لا يعلمها أحد سواهما.

ترامب أوضح أنه أطلع قادة العالم على فحوى الاتصال، بمن فيهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب، وذلك فور انتهاء مكالمته مع بوتين، كما أشار إلى اهتمام الفاتيكان الكبير باستضافة المفاوضات، قائلاً: "فلتبدأ العملية

الأجندة الاقتصادية في قلب المبادرة بين امريكا وروسيا ..

ولم يقتصر حديث ترامب على الجانب السياسي والعسكري، بل ألمح إلى تطلعات اقتصادية بعد إنهاء الحرب، إذ قال إن "روسيا ترغب في إقامة تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بعد انتهاء هذه المذبحة"، مؤكدًا اتفاقه مع هذه الرؤية، وأضاف: "هناك فرصة عظيمة لروسيا لخلق فرص عمل وثروات هائلة، فإمكاناتها لا حدود لها، كما يمكن لأوكرانيا كذلك أن تكون مستفيدة كبيرة من التجارة في إعادة بناء بلدها".

بوتين: نحن على الطريق الصحيح

من جانبه، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستقترح على الجانب الأوكراني العمل على مذكرة تفاهم بشأن معاهدة سلام مستقبلية، تتضمن مبادئ التسوية، وتوقيت اتفاق السلام، ووقف إطلاق النار لفترة محددة إذا تم التوصل إلى اتفاق، وقال: "نحن، بشكل عام، على الطريق الصحيح"، مشددًا على أن موقف روسيا بشأن الوضع في أوكرانيا "واضح"، والمطلوب هو القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة.

بوتين وصف المحادثة مع ترامب بأنها "ذات معنى وصريحة ومفيدة للغاية"، معربًا عن امتنانه لترامب لمشاركته في استئناف المحادثات المباشرة مع أوكرانيا، وأكد استعداد موسكو للعمل على مذكرة تفاهم تتضمن وقفًا لإطلاق النار، مشيرًا إلى ضرورة إيجاد "حلول وسط تناسب جميع الأطراف".

الأمم المتحدة ترحب.. والكرملين يشيد بـ"حياد" ترامب

فيما رحبت الأمم المتحدة بالمكالمة الهاتفية بين ترامب وبوتين، واصفة إياها بأنها "هادفة"، وأشارت إلى أن المحادثات الهاتفية بين ترامب وكل من زيلينسكي وبوتين "موضع ترحيب".

أما المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، فقال إن ترامب يتبنى موقفًا "محايدًا" في ملف أوكرانيا، على عكس القادة الأوروبيين الذين وصف مواقفهم بـ"المنحازة علنًا لأوكرانيا"، مؤكدًا أن "الوساطة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بالوقوف على مسافة واحدة من أطراف النزاع".

زيلينسكي يتحدث عن تبادل الأسرى

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن المفاوضين الأوكرانيين والروس أجروا اتصالات بشأن تبادل الأسرى، وهو مؤشر على وجود قنوات تواصل موازية، ولو جزئية، بين الطرفين على الأرض.

محلل أمريكي: "تقدم ملموس" في التفاوض

واعتبر مارك إبيسكوبوس، الباحث في معهد كوينسي الأمريكي للسياسة، أن مكالمة ترامب وبوتين تعكس "تقدمًا ملموسًا" في تحديد مسار تفاوضي بين موسكو وكييف، وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الروسية "تاس"، إن ترامب يدرك أهمية الحفاظ على دعم الأوروبيين بالتوازي مع المفاوضات، ومن هنا جاء تأكيده على التواصل المنتظم مع الأطراف المعنية.

وأضاف أن كلا من روسيا وأوكرانيا تريدان أن يظل البيت الأبيض منخرطًا في عملية السلام، معتبرا أن ترامب يمتلك "نفوذًا كبيرًا" لصياغة جدول أعمال يؤدي إلى مفاوضات ناجحة، واعتبر أن الحوافز الاقتصادية التي تحدث عنها ترامب، بما فيها الفرص التجارية، تشكل جزءًا من سياسة أمريكية أوسع تهدف إلى الحفاظ على علاقة بناءة مع روسيا حتى بعد التوصل لاتفاق سلام.

تباين أوروبي.. ماكرون يحذر ووزير الدفاع الألماني يشكك

رغم الترحيب الحذر من الأمم المتحدة وبعض الأطراف، فإن مواقف الدول الأوروبية بدت أكثر تحفظًا، فقد أعلن قصر الإليزيه أن ترامب أطلع الرئيس ماكرون على نتائج مكالمته مع بوتين، فيما أكد ماكرون استمرار دعم بلاده لأوكرانيا حتى التوصل إلى "ضمانات أمنية" وتوقيع اتفاق سلام.

غير أن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس كان أكثر حدة، إذ اتهم بوتين بعدم إظهار أي استعداد حقيقي للسلام، مضيفًا: "بوتين يضيع الوقت ويتحدث عن مفاوضات بينما يواصل هجماته"، معتبرا أن الهدف الروسي هو "منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو"، وشدد على ضرورة "تعزيز القدرات الدفاعية للاتحاد الأوروبي بشكل جماعي".

الخارجية الروسية تهاجم الغرب

في المقابل، شنّت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، هجومًا على الغرب، وحمّلته مسؤولية فشل أوكرانيا في الحفاظ على وحدة أراضيها، وقالت إن الغرب تدخل في الشؤون الداخلية ولم يلتزم بقرارات مجلس الأمن الدولي.

زيلينسكي يلوّح بالعقوبات

من جهته، شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على ضرورة فرض عقوبات صارمة إذا رفضت روسيا وقف إطلاق النار، قائلاً إن وحدة الأراضي الأوكرانية "خط أحمر لا يمكن تجاوزه"، مؤكداً أن أي تأخير من جانب روسيا يستوجب تصعيد الضغوط الدولية عليها.

اجتماع بوتين وزيلينسكي.. مشروط

وفي ختام هذه التطورات، أعلن الكرملين أن موسكو ستسلم أوكرانيا قائمة مطالب لوقف إطلاق النار، موضحًا أن اجتماعًا بين بوتين وزيلينسكي ممكن، ولكن فقط "إذا تم التوصل إلى اتفاقيات من قبل وفدي البلدين".

هل سيكون استسلامًا ضمنيًا أو صفقة قائمة على موازين القوى؟

المكالمة بين ترامب وبوتين قد تكون بمثابة نقطة تحول جديدة، تفتح الباب أمام وقف العمليات القتالية، لكنها تثير أيضًا تساؤلات حساسة حول طبيعة السلام المنشود، وهل سيكون استسلامًا ضمنيًا أو صفقة قائمة على موازين القوى؟ في ظل الشكوك الأوروبية والتصعيد الميداني، يبقى الطريق إلى السلام محفوفًا بالعقبات، حتى وإن كان قد بدأ باتصال هاتفي.