رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

كنوز الوطن

فتحتُ عينيَّ فى بداياتى المهنيةِ على مشهدٍ إعلاميٍّ مصريٍّ حيٍّ، نابضٍ، يتجاوزُ المكاتبَ والشاشاتِ، ويذهبُ مباشرةً إلى قلبِ المجتمعِ. كان قطاعُ الإعلامِ الداخليِّ هو هذا القلبَ، عبرَ مراكزِهِ ومجمعاتِهِ المنتشرةِ فى ربوعِ مصرَ. لم يكن الإعلامُ مجردَ وسيلةٍ لبثِّ الرسائلِ، بل أداةً فعالةً للاتصالِ المباشرِ، ومحركًا واعيًا للتغييرِ الاجتماعيِّ.

اليومَ، وبينما يُطرحُ مقترحُ نقلِ تبعيةِ هذا القطاعِ الحيويِّ إلى الإدارةِ المحليةِ، علينا أن نقفَ لحظةً ونتساءلَ: هل ندركُ فعلًا طبيعةَ الدورِ الذى يؤديهِ الإعلامُ الداخليُّ؟ وهل نحافظُ عليهِ بتجريدِهِ من هويتِهِ وتفكيكِ كيانِهِ؟.

الهيئةُ العامةُ للاستعلاماتِ ليستْ مجردَ جهةٍ إداريةٍ عليا، بل هى الإطارُ الذى أعطى قطاعَ الإعلامِ الداخليِّ العمقَ والامتدادَ والقدرةَ على الرؤيةِ الشاملةِ، هذا القطاعُ، بتكوينِهِ الحاليِّ، لم يعملْ يومًا كجهازِ تنفيذِ تعليماتٍ فقطْ، بل كوحدةٍ مجتمعيةٍ حقيقيةٍ دخلَ إلى أعقدِ القضايا المحليةِ، تلك التى لا تلتقطُها الكاميراتُ ولا تتصدرُ العناوينَ، لكنهُ كان هناكَ: يتحدثُ مع الناسِ، يفهمُهم، ويوصلُ الرسائلَ الإعلاميةَ بلغةِ مجتمعِهم المحليِّ، حسبَ الفئةِ العمريةِ والثقافيةِ والاقتصاديةِ، وهذا هو سرُّ نجاحِهِ.

حينَ نتحدثُ عن قضايا بحجمِ مكافحةِ ختانِ الإناثِ، أو مواجهةِ التطرفِ، أو ترسيخِ مفاهيمِ الأمنِ القوميِّ، فنحنُ لا نتحدثُ عن موضوعاتٍ عاديةٍ، هذه قضايا اختبرتْ صلابةَ الإعلامِ الداخليِى، هذا القطاعُ استطاعَ أن يحققَ اختراقًا حقيقيًّا فى الوعيِ الجمعيِّ المصريِّ، فى مناطقَ وظروفٍ لم يكنْ من السهلِ التواجدُ فيها، وحققَ نتائجَ ملموسةً يشهدُ لها تاريخُ الإعلامِ المصريِّ الحديثِ.

لقد نجحَ الإعلامُ الداخليُّ، ليس فقطْ بفضلِ الخططِ والرسائلِ، ولكن بسببِ أمرٍ لا يمكنُ نسخُهُ أو تعويضُهُ: «الثقةُ»، الثقةُ التى بناها الإعلاميونَ فى هذا القطاعِ مع جمهورِهم عبرَ سنواتٍ طويلةٍ من الحضورِ والتواصلِ، رغمَ قلةِ الإمكانياتِ، ورغمَ التحدياتِ.

فى كلِّ محافظةٍ ومدينةٍ وقريةٍ، كان الإعلامُ الداخليُّ موجودًا مع الشبابِ، مع النساء، مع الأطفالِ، مع رجالِ الدينِ، مع المتخصصينَ. لم يشتغلْ وحدَهُ، بل نسَّقَ بين المؤسساتِ الدينيةِ والتعليميةِ والتنفيذيةِ، بل وحتى مع منظماتِ المجتمعِ المدنيِّ المحليةِ والدوليةِ، استخدمَ كلَّ أدواتِ الاتصالِ الممكنةِ: الندواتِ، المؤتمراتِ، ورشَ العملِ، القوافلَ، اللقاءاتِ المباشرةَ، والتدريبَ الميدانيَّ.

هذا الجهدُ لا يجبُ أن يُفكَّكَن، لا يجبُ أن يُدارَ وكأنهُ شأنٌ إداريٌّ محليٌّ، الإعلامُ الداخليُّ ليسَ ملفًّا بلديًّا، بل ذراعٌ استراتيجيٌّ فى معركةِ الوعيِ والتنميةِ.

نعمْ، نحنُ نحتاجُ إلى التطويرِ، والتحديثِ، ورفعِ الكفاءةِ. نحتاجُ إلى دعمٍ لوجيستيٍّ وفنيٍّ حقيقيٍّ، ولكن ليسَ على حسابِ الهويةِ! ليسَ عبرَ سلخِ القطاعِ من جذورِهِ، أو نقلِهِ إلى منظومةٍ إداريةٍ لا تمتلكُ رؤيةً قوميةً جامعةً، الإعلاميُّ فى هذا القطاعِ لا يعملُ لأنهُ موظفٌ فحسبُ، بل لأنهُ يعرفُ مجتمعَهُ، ويؤمنُ برسالتِهِ، ويعملُ فى كيانٍ يفهمُ طبيعةَ عملِهِ.

إنَّ كلَّ خطوةٍ نحو نقلِ تبعيةِ القطاعِ إلى المحلياتِ، تعنى خطرًا على وحدةِ الرسالةِ، وتماسكِ الخطابِ التوعويِّ الوطنيِّ، وتفتيتِ الجهدِ الذى كانَ دائمًا متكاملًا بين المركزِ والميدانِ.

فلنحافظْ على هذا القطاعِ كما هو: تحتَ مظلةِ الهيئةِ العامةِ للاستعلاماتِ، بجذورِهِ، بخبراتِهِ، بأبنائِهِ الذين أعطوا الكثيرَ، ولا يزالُ لديهم الكثيرُ ليقدموهُ. المعركةُ الحقيقيةُ ليستْ فى تغييرِ التبعيةِ، بل فى تمكينِ هذا القطاعِ من أداءِ دورِهِ كما يجبُ، فى دعمِ كوادرِهِ، وتحديثِ أدواتِهِ، وتمويلِ مشاريعِهِ. أما تغييرُهُ من الداخلِ، فذلك طريقٌ إلى تفريغِهِ من مضمونِهِ.

وليسَ فى هذا نداءٌ عاطفيٌّ، بل دفاعٌ منطقيٌّ عن أحدِ أهمِّ الأسلحةِ الناعمةِ التى تمتلكُها الدولةُ المصريةُ فى معركةِ الوعيِ.