في الحومة
حديثُ الساعةِ اليومَ هو مشروعُ قانونِ الإيجارِ القديمِ الذى طرحتهُ الحكومةُ تلبيةً لحكمِ المحكمةِ الدستوريةِ الصادرِ فى نوفمبرَ 2024 والذى طلبَ من مجلسِ النوابِ إصدارَ هذا التشريعِ قبلَ نهايةِ هذا الفصلِ التشريعيِّ، وحظيَ هذا المشروعُ بنقاشٍ مجتمعيٍّ واسعٍ لوجودِ قطاعٍ كبيرٍ بالملايينِ من المواطنينَ المخاطبينَ بهذا المشروعِ، ومن هنا أسرعتْ كثيرٌ من القوى السياسيةِ بمناقشةِ تداعياتِ هذا التشريعِ والآثارِ المترتبةِ على هذا القانونِ وكيفيةِ إحداثِ التوازنِ بين الطرفينِ: المالكِ والمستأجرِ. ولكونِنا مقبلينَ على استحقاقٍ انتخابيٍّ لأعضاءِ مجلسَى الشيوخِ والنوابِ، فبعضُ الأحزابِ رأى إرجاءَ هذا المشروعِ لدورِ الانعقادِ المقبلِ. وعقدتِ اللجنةُ التشريعيةُ والدستوريةُ لحزبِ الوفدِ جلسةً لمناقشةِ هذا المشروعِ بحضورِ الهيئةِ البرلمانيةِ لمجلسَى النوابِ والشيوخِ برئاسةِ الدكتورِ عبدِ السندِ يمامةَ رئيسِ الحزبِ، والذى أبانَ وأسسَ لمحورِ النقاشِ مؤكدًا على أننا إزاءَ مشروعِ قانونٍ لا يقلُّ أهميةً عن قانونِ الإجراءاتِ الجنائيةِ؛ لأنهُ يمسُّ قطاعًا كبيرًا من المواطنينَ، وأن هناكَ 19 قانونًا منذ عامِ 1952 فى هذا الشأنِ، وأن هناكَ تاريخًا طويلًا من النضالِ القانونيِّ، فلقد تمَّ رفعُ هذه الدعوى الدستوريةِ التى جاء القانونُ ملبيًا لها فى عامِ 1998. وأكدَ الدكتورُ عبدُ السندِ يمامةَ أن هناكَ وجوبًا لأن يصدرَ هذا القانونُ قبلَ نهايةِ هذا الفصلِ أعمالًا لاحترامِ المشرعِ للأحكامِ الدستوريةِ، وحتى لا تتعرضَ المحاكمُ لسيلٍ عرمٍ من القضايا التى سيترتبُ عليها تعريضُ السلمِ الاجتماعيِّ للخطرِ. وقد تناولتِ النقاشاتُ فى هذه الجلسةِ كافةَ الزوايا والمصالحِ المتعارضةِ، وتبينَ لى أن هناكَ إشكالياتٍ خطيرةً لوجودِ مراكزَ مختلفةٍ ووجودِ أعوامٍ مختلفةٍ؛ فعصرُ الستينياتِ يختلفُ عن السبعينياتِ، ويختلفُ عما بعدَ 82، بالإضافةِ إلى اختلافِ الأماكنِ الشعبيةِ والراقيةِ، وأيضًا اختلافِ المستأجرِ: هل هو من الجيلِ الأولِ أو الجيلِ الثانى أو الثالثِ؟ وكلُّ تلك المسائلِ وغيرها يترتبُ عليها اختلافٌ فى طبيعةِ هذه الوضعيةِ، ومن ثمَّ اختلافٌ فى زاويةِ النظرِ إليها وكيفيةِ معالجتِها لتحقيقِ العدالةِ دونَ انحيازاتٍ مسبقةٍ على أيةِ حالٍ. إننا نرى وبحقٍّ أن هذا القانونَ طالَ انتظارُهُ، وهو يمثلُ ضرورةً لا بدَّ منها، فلقد نشأتْ تلك القوانينُ التى يرادُ معالجتُها فى هذا التشريعِ بقواعدَ آمرةٍ ومجحفةٍ بحقوقِ المؤجرينَ من تأبيدٍ لهذه العقودِ مع ثباتِ القيمةِ الإيجاريةِ، وهذه مسألةٌ مخالفةٌ للشرائعِ والقوانينِ الطبيعيةِ، فسلبُ المالكِ من حقِّهِ فى الاستفادةِ والتصرفِ فى ملكِهِ هو ما يعدُّ منافيًا لطبيعةِ هذا الحقِّ، وهو من المسائلِ التى أكدتْ عليها كافةُ التشريعاتِ، ويعتبرُ من الحقوقِ فوقَ الدستوريةِ، ومن هنا فإننا نرى لزامًا احترامَ هذا الحقِّ الدستوريِّ وكلَّ ما يترتبُ عليهِ من آثارٍ، وهذا من مقتضياتِ العدلِ والإنصافِ. وفى المقابلِ، فإن هناكَ مستأجرًا قد اعتادَ وتعايشَ لسنواتٍ عديدةً على السكنِ والإقامةِ فى مسكنٍ بحكمِ الواقعِ والقانونِ، فلو قلنا لهُ اتركْ هذا المنزلَ فأنتَ مغتصبُهُ وهو فى الحقيقةِ ليسَ كذلكَ، فكم من جراحٍ سوف تترتبُ على ذلكَ؟ ولمعالجةِ كلِّ تلك المسائلِ، يتعينُ أن تكونَ لدينا قاعدةُ بياناتٍ دقيقةٌ لكى يتسنى لنا وضعُ حلولٍ ترفعُ هذا الغبنَ عن كاهلِ الملاكِ ولا تمثلُ ضررًا للمستأجرِ. وتبقى هناكَ مسألتانِ محسومتانِ: الأولى، الشققُ المغلقةُ تعودُ للملاكِ فورَ إصدارِ هذا القانونِ. والأمرُ الثانى هو رفعُ القيمِ الإيجاريةِ لتقليلِ الفجوةِ الكبيرةِ مع قيمِ الإيجارِ الحرِّ. وحسنًا فعلَ حزبُ الوفدِ بتشكيلِ لجنةٍ فى حالةِ انعقادٍ دائمٍ لبحثِ كافةِ النقاطِ ووضعِ تصورٍ شاملٍ لهذا القانونِ يعالجُ كافةَ المسائلِ لكى يحظى برضاءِ المالكِ وقبولِ المستأجرِ.. وللحديثِ بقيةٌ.