رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

77 عاماً من النكبة إلى الإبادة

بوابة الوفد الإلكترونية

154 ألف شهيد فلسطينى بينهم 34% من غزة.. ومراكب جدعون تطارد حق العودة

 

«كيف احتملنا وعشنا وانزلقت شربة الماء من الحلق دون أن نشرق بها ونختنق؟ وما جدوى استحضار ما تحملناه وإعادته بالكلام؟ عند موت من نحب نكفنه. نلفه برحمة ونحفر فى الأرض عميقا.. المخيم يجب أن يبقى مخيماً مؤقتاً تأكيداً على أننا لاجئون. حفاظاً على حقنا فى العودة معنا ربنا لأننا أصحاب حق أحياناً نحتفظ بأشياء ربما يصعب أن نختزل قيمتها فى معنى واحد».

بهذا المقطع من راوية «الطنطورية» تنقل لنا الراوئية الراحلة الدكتورة رضوى عاشور المشهد الفلسطينى منذ احتلال الأراضى العربية وما سبقها من معاهدات وهبت لعصابات الصهيوينة أرضا وشردت شعبا هجرت معظمه فى بلاد الشتات.

 وها هى حكومة الاحتلال الصهيونى تعيد انتاج محارق ومجازر النكبة الأولى فى ظل دعم امريكى غربى وتخاذل دولى وسقوط مدوٍ للامم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات الإغاثة الانسانية. 

وتعرف النكبة تاريخيًا بالأحداث التى تلت قرار التقسيم فى نوفمبر 1947، واندلاع الحرب والتطهير العرقى لنحو 750 ألف فلسطيني من خلال تدمير مئات القرى والمدن، وانتهاءً بتوقيع اتفاقيات الهدنة فى يناير 1949 وكان لأحداث النّكبة تأثير هائل على المجتمع الفلسطينى. 

وأدى التهجير الجماعى خلالها إلى تمزق ‏النسيج الاجتماعيّ والثقافى والاقتصادى الفلسطينيّ بشكلٍ كلّى تقريبًا فى الواقع، ولم تكن النكبة سوى ذروة بدأت مع القرن العشرين، التى يمكن تأريخها منذ وعد بلفور فى عام 1917، أو فى الهجرات اليهودية من أوروبا إلى فلسطين فى نهايات القرن التاسع عشر. ومع هذا، تعتبر النكبة حدثًا مفصليًّا ومؤسِّسًا فى التاريخ والوعى الفلسطينى.

لقد أنكرت الحركة الصّهيونية وجود الفلسطينيين أصلاً، لكن تبلور هذا الإدراك بشكل واضح فى حرب عام 1967 المعروفة بالنكسة مع اكتمال احتلال باقى أرض فلسطين ولم يعد الفلسطينى يملك إلّا قصّته وقضيته.

 وتزامناً مع ذروة حرب الابادة المتصاعدة فى القطاع صادق «الكابينت» الإسرائيلى على إطلاق اسم جديد لعمليته العسكرية المرتقبة «مركبات جدعون» وهو اسم من التراث التوراتى للحروب ضد العرب، ويستدعى بوضوح مضامين دينية وتاريخية ذات طابع استعماريّ.

الاسم ليس عابرًا فجدعون بحسب الرواية التوراتية فى سفر القضاة، هو قائد اختاره الرب لهزيمة المديانيين – أهل مدين فى تبوك السعودية – رغم قلة عدد جيشه وذلك بفضل خطة ذكية وفى الذهنية العسكرية الصهيونية، ويُمثّل جدعون نموذجًا للنصر على العرب رغم الضعف، والقتال المشروع دينيًا مهما كانت المعطيات الميدانية عبر «الشرعية الإلهية» لا عبر التفوق العددى.

أما «المركبات» فهى رمز القوة والسرعة والانقضاض، سواء كانت عربات قتال قديمة تجرها الخيول، أو دبابات ومدرعات متطورة فى ميدان المعركة الحديث.. وبدمج هذين الرمزين، يقدم كيان الاحتلال عمليته الجديدة فى غزة كحرب مقدسة ضد العرب، غلافها حديث لكن جوهرها توراتى تقليدى.

إنها ليست المرة الأولى التى يلجأ فيها الاحتلال إلى اسم «جدعون» فى عمليتها العسكرية ضد العرب.. ففى نكبة عام 1948، أطلق الاحتلال على واحدة من عملياته لاحتلال مدينة بيسان وطرد سكانها الفلسطينيين اسم «عملية جدعون».

 ويعود الاسم نفسه اليوم مع مركباته، ليحمل دلالة استعمارية واضحة بطرد جديد، وتهجير جديد، وتاريخ يعاد تدويره بالدم والنار.

 إن تسمية العملية ليست مسألة دعائية أو لغوية، بل إعلان ضمنى أن الصراع بات دينيًا فى المنظور الصهيونى.. «نحن أبناء الرب، نقاتل أعداء الرب» وهى نغمة يتكرّر عزفها فى الخطاب الصهيونى الرسمى وشبه الرسمى يراق الدم الفلسطينى بأسلحة الغرب كقربان بين نار الأسطورة وصمت الخذلان بشرعية «العهد القديم» الدينية فى ادبيات حكومة الاحتلال الصهيونية. 

ما يجرى فى غزة إحياء لأساطير توراتية يراد لها أن تُطبق بالنار على أرض فلسطين. ولذلك فإن مركبات جدعون ليست فقط تسمية عسكرية، بل ترميز لمرحلة جديدة من الصراع العربى-الإسرائيلى، تتقاطع فيها الحرب الدينية مع الاحتلال.

وأصدر الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى تقريراً شاملاً بمناسبة ذكرى النكبة موثقاً بالأرقام والبيانات ما مرّ به الشعب الفلسطينى منذ عام 1948 وحتى منتصف العام الجارى.

وأوضح التقرير أن النكبة لم تكن حدثاً تاريخياً عابراً، بل عملية مستمرة من التهجير القسرى والتطهير العرقى فى ظل سياسات الاحتلال الصهيونى المتواصلة، والتى تمثّلت مؤخراً فى حرب الإبادة غير المسبوقة التى يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023.

ويعيش نحو 7.4 مليون فلسطينى فى فلسطين التاريخية، فى مقابل عدد مساوٍ تقريبًا من المستوطنيين. ويبلغ عدد اهالى الضفة المحتلة 3.4 مليون نسمة، تقريباً فيما يقدّر عدد أهالى القطاع بـ2.1 مليون، بانخفاض نسبته 10% عن التقديرات السابقة، نتيجة العدوان.

وركزت النتائج على أن عدد الفلسطينيين تضاعف لنحو 10 مرات منذ النكبة ليبلغ منتصف عام 2025 نحو 15.2 مليون فلسطينى فى العالم، أكثر من نصفهم خارج فلسطين التاريخية.

وأشار التقرير إلى استشهاد أكثر من 154 ألف فلسطينى منذ عام 1948، من بينهم ما يزيد على 52,600 شهيد سقطوا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000. وأشار إلى أن حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع التى بدأت فى 7 أكتوبر 2023، أسفرت عن استشهاد أكثر من 64,500 فلسطينى، أى ما يعادل 34% من مجموع الشهداء الفلسطينيين منذ النكبة، بينهم أكثر من 18 ألف طفل، وأكثر من 12 ألف امرأة، كما استشهدت أكثر من 211 أسرة أُبيدت بالكامل، وأصيب أكثر من 125 ألف فلسطينى خلال الفترة نفسها.

وأكد نزوح نحو مليون فلسطينى قسراً من أماكن سكنهم داخل القطاع؛ بالاضافة إلى أكثر من 70% من الوحدات السكنية أصبحت غير صالحة نتيجة الدمار الهائل. مع الاخذ فى الاعتبار مخطط التهجير الصهيوأمريكى التى تحاول حكومتا الاحتلال الصهيونى وداعمتها امريكا تنفيذه وطرد اهالى القطاع وتحويله لمنتجع سياحى والسيطرة على موارده الطبيعية خاصة مخزون الغاز بالبحر الابيض المتوسط. 

سقوط أوسلو فى حظيرة «البقرات الحمراء»

لا يختلف الوضع فى الضفة المحتلة فقد أسقطت حكومة الاحتلال اتفاقية أوسلو التى تعترف بمناطق ذاتية الحكمة تديرها السلطة الفلسطينية وبذلك تكون تل ابيب دقت المسمار الاخير فى نعش الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وشرعت تل ابيب حتى عام 2024 فى بناء نحو 551 موقعاً، منها 151 مستوطنة معترفاً بها، و144 بؤرة استيطانية عشوائية. فيما صادرت سلطات الاحتلال أكثر من 46 ألف دونم من أراضى الضفة المحتلة، وهدمت أو أخطرت بهدم أكثر من 11,000 منشأة.

كما شرع الاحتلال فى بناء أكثر من 13 ألف وحدة استيطانية جديدة خلال العام نفسه، ما يعكس استمرار سياسة التهجير القسرى وإحلال المستوطنين مكان الاهالى الأصليين، فى مخالفة واضحة للقانون الدولى.

وعلى الرغم من أن سياسة وزارة الخارجية الأمريكية فى كل الإدارات السابقة تمثلت بمعارضة وصول سفرائها فى ابيب إلى مناطق الضفة المحتلة فإن السفير الحالى للولايات المتحدة «مايك هاكابى» وزوجته زارا مستوطنة «شيلو» الواقعة شمال شرق رام الله والتقى هناك رئيس مجلس المستوطنات يسرائيل جانتس.

وبدأ هاكابى جولته من زيارة المزرعة التى تتواجد فيها 5 بقرات حمراوات، تعتقد جماعات الهيكل المتطرفة أن وجودها يعتبر إشارة إلهية إلى قرب بناء «المعبد الثالث» مكان المسجد الأقصى وظهور المسيح المنتظر.

وأجرى هاكابى جولة تاريخية واجتماعا رسميا فى منطقة «يهودا والسامرة»، وهى الأولى من نوعها لسفير أمريكى على الإطلاق. وقال «لم أستخدم قط مصطلحا غير يهودا والسامرة «المسمى التوراتى للضفة المحتلة» وسيكون من الظلم التاريخى استخدام مصطلحات أخرى».

وتمثل زيارة السفير الأمريكى للبقرات الحمراء ذروة الجهود الأمريكية الدؤوبة لاحتضان جهود تغيير هوية المسجد الأقصى والقدس والضفة المحتلة بأسرها واتفاقها مع وزيرى المالية والأمن القومى الإسرائيليين بتسئيل سموتريتش وايتمار بن غفير على فكرة مركزية واحدة هى «الخلاص».