عاجل
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

بعد وفاته.. محطات وطنية في حياة المستشار شعبان الشامي

بوابة الوفد الإلكترونية

في سجل القضاء المصري أسماء خالدة سطّرت بحروف من نور صفحات مشرّفة في تاريخ العدالة، ويأتي على رأس تلك الأسماء المستشار الراحل شعبان الشامي، الذي مثّل نموذجًا للقاضي النزيه الحازم الذي لا يعرف المهادنة ولا يخشى في الحق لومة لائم.

لم يكن مجرد رجل قضاء، بل رمزًا وطنيًا خاض معارك العدالة في زمن اشتدت فيه التحديات واحتدمت فيه الصراعات، فبقي ثابتًا، مؤمنًا بأن الوطن لا يقوم إلا بسيف العدالة وميزان القانون.

النشأة والبدايات:

وُلد المستشار شعبان الشامي في محافظة المنوفية، في بيت مصري بسيط، وسط بيئة تربوية اتسمت بالقيم الدينية والوطنية. منذ صغره، كان يميل إلى الانضباط، وامتلك شخصية هادئة تميل إلى التحليل والبحث، مما شجعه على الالتحاق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، التي تخرج منها بتفوق.

بدأ حياته العملية بالنيابة العامة، ثم تنقل بين مواقع قضائية متعددة، حتى أصبح من رموز القضاء الرفيع، حيث تولى رئاسة محكمة جنايات القاهرة، ثم عضوًا بارزًا بمحكمة استئناف القاهرة، ثم نال عضوية مجلس القضاء الأعلى.

أبرز القضايا التي نظرها:

اشتهر المستشار الشامي بإدارته لعدد من القضايا المصيرية في تاريخ مصر الحديث، كان أبرزها:

قضية محاكمة الرئيس الأسبق مبارك:

من المحطات الفارقة أيضًا في حياة المستشار شعبان الشامي، مشاركته ضمن الهيئات القضائية التي تابعت ملفات محاكمة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في القضايا التي عُرفت إعلاميًا بـ"محاكمة القرن"، والتي شملت اتهامات بقتل المتظاهرين وإهدار المال العام خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011.

رغم الزخم الإعلامي والسياسي غير المسبوق، أبدى المستشار الشامي موقفًا متزنًا يعكس عمق التزامه بمعايير العدالة. لعب دورًا في مراجعة بعض إجراءات التقاضي، وأسهم برأيه القانوني في مراحل حساسة من سير المحاكمة، داعيًا إلى الفصل بين الرغبة الشعبية في القصاص، والالتزام الصارم بالقانون وأدلة الإدانة أو البراءة.

وكان يرى أن "محاكمة رئيس دولة سابق يجب أن تكون نموذجًا للعدالة لا للانتقام"، مؤكدًا أن نزاهة القضاء تُقاس في مثل هذه اللحظات المفصلية.

قضية الهروب من سجن وادي النطرون:

 ترأس هيئة المحكمة التي نظرت هذه القضية الشهيرة، والمتهم فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي وقيادات بارزة من جماعة الإخوان المسلمين. أُديرت جلسات المحاكمة في ظل متابعة إعلامية واسعة وضغوط داخلية وخارجية، لكن المستشار الشامي أصرّ على إدارة الجلسات بميزان القانون وحده. انتهت القضية بإصدار أحكام بالإعدام والسجن بحق عدد من المتهمين، وسط إشادة عامة بطريقة إدارة المحكمة.

قضية التخابر مع جهات أجنبية: 

أيضاً تولى نظر واحدة من أخطر القضايا التي اتهم فيها مرسي وعدد من معاونيه بالتخابر مع جهات أجنبية، من بينها حركة حماس وحزب الله. حرص الشامي خلال هذه المحاكمة على توفير كل ضمانات الدفاع، وأثبت أن القضاء المصري قادر على إدارة أعتى القضايا دون أن تهتز مصداقيته.

قضايا الإرهاب والاغتيالات: نظر العديد من قضايا العنف المسلح والانتماء إلى جماعات إرهابية بعد 2013، وكان دائم التأكيد أن حماية المجتمع تبدأ من حسم العدالة.

دوره الوطني:

لم يكن المستشار شعبان الشامي قاضيًا عاديًا، بل كان صاحب دور وطني بارز. خلال لحظات حاسمة في تاريخ البلاد، حافظ على هيبة القضاء، ورفض تدخل أي جهة في عمله القضائي، حتى لو كانت ضغوطًا سياسية أو إعلامية.

وقف في وجه محاولات تقويض السلطة القضائية، وكان من أشد المدافعين عن مبدأ استقلال القضاء، وكان يقول دائمًا:
"القاضي لا يملك إلا ضميره، وإذا ضاع هذا الضمير، ضاع معه الوطن."

سُئل مرة في ندوة قانونية عن دوره خلال المحاكمات السياسية، فأجاب:
"أنا لا أحاكم سياسة، بل أحاكم أفعالاً جنائية مثبتة أمامي بالأدلة، ويكفيني شرفًا أن يحكم عليّ التاريخ بالعدل."

القاضي المعلم والمثقف:

إلى جانب عمله القضائي، كان المستشار الشامي محاضرًا متميزًا في أكاديمية القضاة، حيث ساهم في تدريب وتأهيل أجيال من القضاة، وشجّع على تطوير الفكر القانوني المعاصر، مؤمنًا بأن العدالة لا تكتمل إلا بفكر مستنير. كما كتب مقالات قانونية متخصصة حول ضمانات المحاكمة العادلة، واستقلال القاضي، وتحديث آليات التقاضي.

وفاته: فقدان لرمز من رموز العدالة

في صباح اليوم ، غيّب الموت المستشار شعبان الشامي بعد صراع قصير مع المرض، ليودع القضاء المصري أحد رموزه اللامعين. شيّعت جنازته في مشهد مهيب، حضره عدد كبير من رجال القضاء، ومسؤولون، ومحامون، ومواطنون، في وداع مؤثر عبّر عن مكانته في قلوب الجميع.

نعت الهيئات القضائية والوزارات المستشار الراحل بكلمات مؤثرة، وأجمعت على أنه "قاضٍ من طراز فريد، تميّز بالحكمة والنزاهة والانضباط، وخسرته مصر في وقت أحوج ما تكون فيه للرجال الوطنيين الأشداء."

رحل المستشار شعبان الشامي، لكن مواقفه باقية، وضميره الحي سيظل مرشدًا لكل من يعمل في مجال القانون والعدالة.
لم يكن مجرد قاضٍ يصدر أحكامًا، بل كان حارسًا أمينًا على ضمير الوطن في لحظة كان الوطن فيها بحاجة إلى صوت العدالة.

سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة مصر القضائية، كرمز للوطنية، والعدالة، والاستقامة.