حكاية وطن
عرف العالم العديد من النظم الانتخابية، وتقوم كل دولة بتطبيق النظام الذى يناسبها فى انتخاب أعضاء برلمانها، وأثبتت التجارب العملية عند إجراء الانتخابات أنه لا يوجد نظام انتخابى مثالى، فلكل نظام مزاياه وعيوبه، ولذلك لا يوجد نظام مثالى لإجراء الانتخابات فى أى دولة، ومنها مصر التى عرفت الحياة النيابية منذ عام 1860.
ويمكن تعريف النظام الانتخابى بأنه الطريقة التى يتم بها تحويل أصوات الناخبين إلى ممثلين منتخبين أى إلى نواب فى البرلمان، والنظم الانتخابية فى مجملها هى مجموعة القواعد التى تحدد كيفية تنفيذ وتحديد نتائج الانتخابات والاستفتاءات، وتعمل على ترجمة الأصوات التى يتم الإدلاء بها فى الانتخابات إلى عدد من المقاعد التى تفوز بها الأحزاب السياسية والمرشحون المشاركون بها.
وتعتبر عملية اختيار النظام الانتخابى مسألة سياسية بالدرجة الأولى وهى ليست مسألة فنية، وغالباً ما تكون المصالح السياسية هى العامل الدائم فى اعتبارات اختيار النظام الانتخابى، وكثيراً ما تؤدى الحسابات السياسية قصيرة المدى إلى التعتيم على النتائج طويلة المدى لنظام انتخابى معين.
تعمل بعض النظم الانتخابية على تشجيع الأحزاب السياسية بل ويصل بها الأمر إلى تحتيم ذلك، فى حين لا يعترف البعض الآخر من النظم الانتخابية إلا بالمرشحين الأفراد.
بالتأكيد أن التعاقب فى إجراء الانتخابات البرلمانية بعد كل فصل شريعى جعل الباب مفتوحاً أمام تطوير النظام الانتخابى لتحقيق كفاءة الأداء البرلمانى، وهو ما جعل طريقة النظام الذى ستجرى به الانتخابات البرلمانية القادمة فى مصر بغرفتيها مجلسى الشيوخ والنواب مطروحة بشدة وعلى مائدة الأحزاب السياسية وفى الحكومة أيضا وفى مجلس النواب صاحب الحق فى مناقشة مشروع قانون مجلس النواب الذى سيتضمن نوع النظام الانتخابى سواء بالإبقاء على النظام الذى جرت به الانتخابات الماضية فى الجمع بين القائمة المطلقة والفردى، وهو المرجح حتى الآن أم تعديل النظام لتتم الاستعانة بالقائمة النسبية أو بالنظام الفردى كما كان مطبقاً فى السابق.
لا جدال إذا كان الدستور المصرى الحالى لم يلزم المشرع بنظام معين لإجراء الانتخابات، حيث أجاز الدستور فى المادة (102) الأخذ بالنظام الفردى أو القائمة أو الجمع بأى نسبة بينهما، وترك الدستور للقانون الذى سيصدره مجلس النواب الحالى قبل رفع جلساته، تمهيداً لإجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة نهاية العام الحالى تحديد نظام الانتخاب، وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعى التمثيل العادل للسكان، وقد يتطلب القانون الجديد لمجلس النواب زيادة عدد نواب البرلمان الجديد ليتماشى مع الزيادة فى عدد السكان، وإذا كان الدستور لم يلزم المشرع بنظام معين لإجراء الانتخابات إلا أنه اشترط تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية كما جاء فى المادة (11)، ونص الدستور على نسبة المرأة فى المادة (102)، وجعلها ربع إجمالى عدد المقاعد. كما طالب الدستور فى المواد الانتقالية بتمثيل العمال والفلاحين تمثيلاً ملائماً فى مجلس النواب، بالإضافة إلى تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج تمثيلاً ملائماً، والتمثيل العادل لهذه الفئات أثبتت التجارب الانتخابية السابقة أنه لا يتم إلا من خلال نظام القائمة المطلقة المغلقة، وقد تجرى الانتخابات القادمة بالقائمة المطلقة مناصفة مع النظام الفردى للخروج من مأزق تمثيل الفئات المستثناة وهو نظام يريح الأحزاب لكنه - أى هذا النظام - يقف عائقاً أمام تطوير الحياة السياسية لأنه يجعل الأحزاب السياسية تتنافس على حصصها فى القوائم بدلاً من التوجه نحو الحصول على ثقة الجمهور. كما يهدر هذا النظام الأصوات بعكس القائمة النسبية التى ترسخ الحياة الحزبية. العيب الخطير فى القائمة المطلقة أنها تعمل على توريث المقعد عندما تتضمن القائمة مرشحاً أصلياً الذى يصبح نائباً وتشمل القائمة أيضاً أحد أفراد عائلته احتياطياً ليحل محله فى حالة خلو مقعده، إن تطبيق القائمة المطلقة وأعتقد أنه سيستمر لابد من التخلى عن طريقة حجز المقاعد العائلية، بحيث يكون هناك مرشح أصلى ويأتى الاحتياطى من أفراد الحزب وليس من الأقارب.
إن التوجه إلى الشعب لاختيار نوابه يجب أن يكون هو قبلة أى مرشح سواء للأحزاب أو الفردى لأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات، فإن لم تكن عين المرشح على صوت الشعب، ويرسلها إلى الجهة التى ترشحه فلن يكون التمثيل الشعبى موجوداً فى الواقع.