رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

في مثل هذا اليوم من عام 1823، ولد في قرية برنبال الجديدة بمحافظة أسيوط رجل سيظل اسمه محفورا في تاريخ مصر، رجل حمل على عاتقه مهمة النهضة التعليمية في وطننا، إنه علي باشا مبارك، "أبو التعليم"، الذي لم يقتصر دوره على مجرد تعليم الأطفال، بل أسس لبنية فكرية وثقافية أعادت مصر إلى طريق التقدم والتطور. 

علي مبارك لم يكن مجرد مؤرخ أو مهندس، بل كان رائدا حقيقيا، شخصا آمن بأن التعليم هو الأساس الذي يقوم عليه نهضة أي أمة، وأن بناء الإنسان هو أولى خطوات بناء الوطن.

إن الحديث عن علي باشا مبارك لا يمكن أن يقتصر على ذكر مؤلفاته أو إنجازاته، بل يجب أن نرى في مسيرته التعليمية رسالة حية تتحدث عن جدارة الإنسان وإيمانه بأهمية المعرفة. 

فقد أسس المدارس التي لم تكن مجرد أماكن لتلقين الطلاب القراءة والكتابة، بل كانت مصانع للأفكار، صممت لتخريج جيل قادر على مواجهة تحديات العصر. 

من بين هذه المدارس، مدرسة دار العلوم التي تأسست عام 1872، والتي كانت تهدف إلى تخريج معلمين متخصصين في اللغة العربية والآداب الإسلامية، ومدرسة السنية للبنات، التي كانت أول مدرسة حكومية للبنات في مصر، واحتوت على قاعات للرسم والموسيقى والتدبير المنزلي، لتؤكد أن التعليم ليس مجرد حفظ، بل تنمية مهارات شاملة للإنسان.

ولم يقتصر علي مبارك على إنشاء المدارس فقط، بل كان له دور بارز في إصلاح المناهج التعليمية، فعمل على تطويرها بما يتناسب مع متطلبات العصر، وأدخل مواد جديدة مثل الجغرافيا والرياضيات، لتوسع مدارك الطلاب وتمنحهم أدوات لفهم العالم من حولهم. 

كما أشرف على تأليف وطباعة العديد من الكتب المدرسية التي استخدمها الطلاب في مختلف المراحل التعليمية، ليترك بصمة واضحة في حياتهم اليومية ومسيرتهم العلمية.

إسهاماته لم تتوقف عند حدود التعليم المدرسي، فقد كان مؤلفا موسوعيا بارعا، وأشهر أعماله "الخطط التوفيقية"، وهي موسوعة تاريخية وجغرافية وثقافية تناولت مدن وقرى مصر، وأصبحت مرجعا هاما لكل باحث ومهتم بتاريخ وطنه. 

هذا الكتاب ليس مجرد وثيقة، بل هو دليل على رؤيته الشاملة لمصر، على فهمه العميق لأرضها وشعبها، وعلى حرصه على نقل المعرفة للأجيال القادمة.

إن أثر علي باشا مبارك في المجتمع المصري كان عميقا ومستمرا، فجهوده ساهمت في نشر التعليم، وزيادة نسبة المتعلمين، وتحسين مستوى المعيشة، وتطوير المجتمع بأكمله. 

المدارس التي أسسها خرجت كوادر مؤهلة في مختلف المجالات، وساهمت في صناعة جيل واع قادر على بناء وطنه والمشاركة في تقدمه. 

ومن خلال هذه الجهود، يمكن القول إن علي باشا مبارك لم يعلمنا فقط القراءة والكتابة، بل علمنا كيف نحمل الوطن في قلوبنا ونسعى لتقدمه بكل ما نملك من معرفة وإرادة.

ومن تجربتي الشخصية، فإن التعليم الذي تلقيته في مدرسة الوفد علمني حب الوطن وتراب الوطن، وجعلني أدرك أن الانتماء الحقيقي لا يكون بالكلمات، بل بالعمل والعطاء. 

تعلمت أن المعرفة لا تنتهي عند حدود المدرسة أو الكتاب، بل تمتد لتصبح أداة خدمة للوطن، وأن كل درس نتلقاه يجب أن يترجم إلى فعل يفيد المجتمع ويمثل روح النهضة التي بدأها علي باشا مبارك منذ أكثر من قرن ونصف. 

هذه القيم، التي زرعها التعليم الصحيح في نفوسنا، هي ما يجعلنا نفتخر بتاريخنا ونتطلع لمستقبل نضع فيه أقدامنا على دروب التقدم بثقة وإيمان.

علي باشا مبارك لم يكن مجرد شخصية تاريخية نتذكرها في الذكرى السنوية لميلاده، بل هو رمز حي للنهضة المصرية، ومثال على كيف يمكن للفرد أن يغير مجرى حياة أمة بأكملها إذا آمن برسالته وسعى لتحقيقها بإخلاص. 

إن الاحتفاء بمسيرته ليس ترفا ثقافيا، بل هو واجب وطني على كل مصري، لكي نفهم أن النهضة تبدأ بالتعليم، وأن الاستثمار في عقول أبنائنا هو الاستثمار الأهم لمستقبل مصر. 

وفي كل مرة أقف أمام مدارس أو جامعات أو أية مؤسسة تعليمية تحمل بصمات الفكر التقدمي، أذكر علي باشا مبارك وأدرك أن إرثه ليس مجرد كتب ومباني، بل هو روح النهضة التي تستمر في كل جيل جديد، وفي كل قلب يحب وطنه ويؤمن بأن مصر تستحق الأفضل دائما.