في صيف 2025، وبينما تعاد صياغة المشهد الأمني في مصر بخط وطني بالغ الدقة، توقفت قليلا أمام قرار حركة تنقلات جهاز الشرطة الصادر عن اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية.
توقفت لا لأقرأ أسماء بعينها، بل لأتأمل المعنى الذي تحمله كل حركة وكل اختيار، ولأعيد طرح سؤال بسيط، لكنه يجر خلفه سيلا من التأملات: ماذا يعني أن تعيد دولة بحجم مصر رسم خريطة أجهزتها الأمنية في هذا التوقيت تحديدا؟ بل هي قراءة متأنية في خارطة طريق مستقبلية، ورؤية ثاقبة تستشرف آفاقا أمنية أرحب، وتؤكد على فلسفة بناء الكفاءات وتوزيع الخبرات في مواقعها الأكثر تأثيرا.
الواقع أن من يقرأ بين السطور، سيفهم أن الحركة لم تكن مجرد تدوير مواقع أو توزيع صلاحيات، بل كانت فعلا مقصودا في توقيت شديد الحساسية، يعيد التأكيد على أن مؤسسات الدولة لا تتوقف عن التجديد الذكي، وإعادة الحق لأهله، والمضي قدما برجال يحملون في ضمائرهم قسما لا يزول: خدمة هذا الوطن.
ولأننا نتحدث عن إعادة تموضع داخل جهاز هو قلب الأمن في الدولة، فلا بد من الإشارة إلى أن هذا القرار لم يأت من فراغ، بل سبقه إعداد طويل، ومتابعة دقيقة، وإرادة واعية.
ومع أن الحيادية تقتضي أن لا أشيد إلا بالفعل المؤسسي، إلا أن الموضوعية نفسها تأمرني بأن أسمي بعض الرجال الذين أعطوا المشهد بعدا خاصا.
اللواء محمود توفيق، الرجل الهادئ الذي لا يظهر كثيرا، هو في الحقيقة من أكثر من جسدوا فكرة "الفعل بصمت"، فالتاريخ قد لا يكتبه من يتحدثون كثيرا، بل من يصنعون فارقا في الظل.
قراره الأخير أعاد توزيع الطاقة الأمنية بما يتوافق مع التحديات المتغيرة داخليا وإقليميا، ولم يكن سهلا على الإطلاق أن يعيد هندسة هذا الجهاز دون أن تثار زوابع، لكنه فعلها.
فالمشهد الأمني اليوم يتطلب عقلية استباقية، تدرك أن الأمن ليس مجرد مواجهة للجريمة، بل هو صناعة للاستقرار، وحماية للتنمية، وتحصين للمجتمع من الداخل والخارج.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن هذه القيادة تمتلك بصيرة نافذة، وقدرة على قيادة سفينة الأمن الوطني ببراعة في أمواج التحديات العاتية، وهو ما انعكس إيجابا على الشعور العام بالأمان والطمأنينة بين ربوع الوطن.
ومن بين الأسماء التي لفتت انتباهي – وأقولها بدقة لا تحتمل التأويل – اللواء عاطف عبدالعزيز محمد خالد، مساعد الوزير الجديد لقطاع الأمن الوطني، خلفا للواء عادل جعفر.
اسم جديد في موقع شديد الحساسية، يحمل في طياته رسالة ثقة من الوزير، لكنه أيضا يشير إلى مسار تراكمي، ف"عاطف عبدالعزيز" ليس وجها مفاجئا، بل رجل عرف طريقه في صمت، وتدرج بوعي، حتى حان وقت وضعه في قلب المعادلة الأمنية.
أما اللواء عادل جعفر، الذي أصبح مستشارا للوزير، فقد ترك موقعه وهو يحمل سجلا لا يمكن القفز فوقه، وتاريخه في الأمن الوطني يشهد بأنه أحد الذين ساهموا في عبور لحظات كانت عصية على الوصف.
والخروج من موقع التنفيذ إلى موقع الاستشارة في هذا التوقيت، هو في حد ذاته تكريم يليق بالرجل، وإشارة ذكية إلى أن الخبرة الأمنية لا تنتهي، بل يعاد توجيهها.
كذلك، لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي يلعبه صرح تعليمي بحجم أكاديمية الشرطة في بناء أجيال المستقبل، ومن هنا، فإن تولي اللواء الدكتور نضال إبراهيم يوسف عبدالقادر، مساعد الوزير الجديد لأكاديمية الشرطة، كأحد الوجوه التي تبشر بتغيير حقيقي في فلسفة الإعداد والتأهيل، فالرجل ليس فقط أمنيا بامتياز، بل أكاديميا يدرك أن "الجيل القادم من الضباط" لا يبنى بالشعارات، بل بالفكر، والمعرفة، والوعي العميق بالتطور المجتمعي والتكنولوجي.
وفي عصر باتت فيه الصورة أبلغ من الكلمة، والتواصل مع الجمهور حجر الزاوية في بناء الثقة، وفي مشهد آخر، لا يمكن أن تغيب عنا العين الساهرة في الإعلام والعلاقات العامة، وهنا يظهر اسم اللواء ناصر محيي الدين، رجل العلاقات الذي لا يخطئ توقيت الكلمة، ولا مكان المعلومة، في زمن أصبحت فيه الصورة أحيانا أقوى من الرصاصة، والتواصل مع الرأي العام سلاح استراتيجي لا يستهان به.
إن قيادة بحجم اللواء محمود توفيق، وهي تتخذ قرارات بهذه الأهمية، لا تنظر إلى الأسماء بقدر ما تنظر إلى الإمكانيات والقدرات التي تخدم المصلحة العليا للوطن وهذه القيادة تدرك بوعي كامل أن الأمن لم يعد يقتصر على المواجهة الميدانية، بل يمتد ليشمل معركة الوعي وتصحيح المفاهيم.
ومع قيادة اللواء ناصر محيي الدين لإدارة الإعلام والعلاقات العامة، فإن جسور الثقة بين الشرطة والمجتمع تتعزز، وتقدم الحقائق بشفافية وموضوعية، وهو ما يخدم الأمن الاجتماعي ويحصن الجبهة الداخلية من محاولات التشويه أو التضليل. فالمواطن الشريك في منظومة الأمن هو أهم ركيزة.
ثم تأتي لقطة الصعيد، وبعيدا عن أضواء العاصمة، تبرز قيادات تحمل لواء المسؤولية في المحافظات، وهي الجبهة الحقيقية التي يلتقي فيها الأمن بالمواطن، حيث اللواء وائل نصار، مساعد الوزير ومدير أمن أسيوط، الذي أثبت خلال سنوات ماضية أن الأمن في محافظات الجنوب ليس فقط ضبطا وتحقيقا، بل أيضا فهما لتركيبة اجتماعية بالغة الخصوصية، وإدارة للميدان بقدر ما هي إدارة للعلاقات.
هل هذه الأسماء وحدها؟ لا بالطبع، لكن في كل حركة، هناك دوائر مركزية، تصنع عندها ملامح المشهد، ويعاد عبرها بناء ما هو أبعد من مجرد مواقع قيادية.
هذه الحركة – كما رأيتها بعيني الوطنية – كانت نداء متجددا بأن مصر لا تتوقف، وأن رجالها في وزارة الداخلية يعرفون كيف يسلم جيل لجيل، ويصعد في كل مرة من يستحق.
وأنا هنا لا أكتب لأجامل أحدا، فالمجاملة لا تصنع على حساب الوطن، بل أكتب لأنني رأيت بعين لا تنتمي إلا لتراب هذا البلد، أن القرار الأخير ليس مجرد خبر في جريدة، بل لحظة صدق بين الدولة ورجالها، لحظة تقول لكل من يشكك: الأمن ليس صدفة، بل إرادة، ودم، ورجال يقفون بيننا وبين الفوضى.
وعندما أكتب، فأنا لا أصفق، بل أشهد، وعندما أذكر الأسماء، فلأني رأيت فيهم ما يستحق أن يقال، ومتى ما احتجنا لأن نكون في ظهر مؤسساتنا، فلنفعلها بفخر، لأن الوطن لا يحرس إلا من يعرف قيمته .. فإن كل اسم يتم اختياره في هذا الجهاز هو بمثابة ترس جديد في ماكينة ضخمة تعمل بلا كلل أو ملل لحماية الوطن والمواطن.