فى الحومة
الأمم تسعى جاهدة لكتابة تاريخها وأيامها المجيدة وصفحاتها الناصعة فى المرتبة العليا فى التاريخ فمن لا ماضى له لا حاضر له ولا مستقبل وكما يقول ت س اليوت الزمن الحاضر والزمن الماضى كلاهما حاضر ربما فى المستقبل والزمن الحاضر مستمر فى الزمن الماضى، فالتاريخ يسطر حضارة الأمم والشعوب تفتخر دوما بماضيها العريق وكلما كانت ضاربة فى القدم أعتز مواطنوها بتاريخ الأجداد تأصيلا لحاضر له جذور من القيم النبيلة والانتصارات المجيدة والأيام الخالدة، ومن هنا حرصت الدول فى العصر الحديث على توثيق أيامها المجيدة فى كتب ومجلدات وأفلام ومسلسلات لتكون نبراسا للأجيال واستئناسا بتاريخ الآباء الأوائل وتعزيز للهوية الوطنية التى تدعم قيم الولاء والانتماء، وفى عالمنا العربى والإسلامى قام الكتاب المستشرقون بكتابة صفحات مهمة فى تاريخنا وكان لهم سلطان النشر وذيع كتاباتهم فى الامصار وأصبحوا مرجعًا لتاريخنا يستقى منه الكتاب والباحثون المعلومات التاريخية والأكثرية منهم له أجندات لا تخفي على أحد هدفها إحداث بلبلة وزعزعة الثقة وفقدان المصداقية فى الكثير من الموضوعات التاريخية وعملت الشيعة الرافضة على تضليل الامة لخدمة مشروعها ببث القصص والروايات الكاذبة والحقيقة أننى لن أطيل الحديث كثيرا فى هذا الأمر لأنه متشعب وله زوايا كثيرة فى النظر لكن سأعرض فى هذا المقال عن ما يتعرض له سيدنا معاوية بن أبى سفيان من حملة مسعورة افتراء محض ليس حبا فى على بل كراهية فى معاوية أولا أود التأكيد على أن مما شك فيه أن سيدنا على بن أبى طالب اولى وأحق بالخلافة من سيدنا معاوية ولا مراء فى ذلك لكن معاوية كان خلافه مع على رضى الله عنهم أجمعين على تأويل القصاص من قتلة عثمان رضى الله عنه وكان معاوية من أولياء الدم وكان يرى أولوية وجوب القصاص من القتلة وهذا كان رأى الكثير من الصحابة كالزبير بن العوام وطلحة والسيدة عائشة رضى عنهم وكان على يرى تأجيل هذا الامر لحكمة ارتآها فلم يكن خلافًا على دنيا أو منصب أو امارة ولقد تنازل الحسن بن على رضى الله عنه عن الخلافة وبايع معاوية وكان سيدنا الحسين بن على فى جيش معاوية لفتح القسطنطينية وطلب أبوسفيان من رسول الله أن يكون معاوية من كتاب الوحى وكان له ما أراد وهى منزلة عظيمة يعرف قدرها السادة الكبار ولا ينالها إلى من كتب له الخير واشتهر معاوية بالدهاء والحلم وولاه الفاروق عمر بن الخطاب الشام لعظيم معرفته بالرجال القادة ودينهم واماناتهم واطلق عليه لقب قيصر العرب وأمه هند بنت عتبة نالها الكثير من الرويات التى لم تثبت وانتشرت لدى الناس: كالقول باكلها كبد حمزة بن عبدالمطلب عم النبى عليه السلام، وتحريضها وحشى بن حرب على قتله، وهذا محض افتراء، وكانت تذهب للرسول عليه السلام وتناقشه فى أمور دينها كأخذها أموال أبوسفيان لبخله فاجاز لها ذلك، وكان تاريخها مثالًا للعزة والشرف فى الجاهلية والاسلام ونموذجا لتربية السادة والقادة والملوك، وقبل النبى ابنها معاوية كاتبًا للوحى وهذا يدل على رضى الرسول عن معاوية وابيه وأمه وقال من دخل بيت أبوسفيان فهو آمن، والحقيقة أن الصحابة رضى الله عنهم أجمعين عدول وأى عدول ومات النبى صلى الله عليه وسلم وهو راضى عنهم وقد نقلوا لنا الكتاب والسنة وقال ابن العباس رضى الله عنهما لا تسبوا اصحاب محمد عليه السلام فانه أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون فاكبر الآثام الخوض فى تلك القامات السادة الكرام الصحابة الاجلاء، فمن نحن حتى نحكم عليهم ونضعهم فى الميزان فضلا عن كون هذه الأحاديث والروايات فيها من الحكايات المغلوطة والأفكار المدسوسة فهى وليدة أكبر فتنة فى تاريخ الإسلام بدأت بقتل سيدنا عثمان بن عفان.. والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.