رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

في يوم 15 مارس من عام 1928، كتب مصطفى النحاس صفحة جديدة في تاريخ مصر السياسي حين أعلن استقالته من رئاسة الوزراء بعد خلافه العميق مع الملك فؤاد حول تشكيل الحكومة واختيار الوزراء. 

لم يكن مجرد حدث سياسي عابر، بل كان درسا قويا في فن التوازن بين السلطات، وصرخة من رجل وطن يحب بلده ويؤمن بأن حكم الدولة يجب أن يقوم على دستور وعقلانية وإحساس بالمسؤولية، لا على استبداد أو ضغوط شخصية. 

لقد رأينا في هذا الحدث صداما واضحا بين الملكية والسلطة التنفيذية، ولكنه أيضا كان شهادة على قيمة المبادئ وثبات الموقف أمام ضغوط السلطة، ودرسا لا يزال يرن صداه في كل حديث عن الديمقراطية والحوكمة الرشيدة في مصر الحديثة.

النحاس، الذي نشأ وتعلم على مبادئ مدرسة الوفد، لم يكن سياسيا عاديا، لقد تعلم حب الوطن، شعور الانتماء لترابه، وأهمية أن تكون الدولة أداة لخدمة الشعب لا لمصالح ضيقة أو رغبات فردية. 

كانت استقالته رسالة صريحة بأن الدولة ليست ملكا لأحد، وأن أي محاولة لإضعاف الحكومة المنتخبة أو تغيير مسارها بالقوة ستواجه صمودا وشجاعة من الرجل الذي وضع الوطن فوق كل اعتبار. 

هذا الموقف لم يكن مجرد موقف سياسي، بل درس في الوطنية الحقيقية، درس في الحب العميق للمصرين ولأرضهم، درس تعلمته أنا أيضا، وأصبح جزءا من فهمي لمسؤولية كل من يمسك بزمام الأمور في بلده.

وبالعودة إلى أحداث ذلك اليوم، نجد أن ما حدث بين النحاس والملك فؤاد لم يكن مجرد صراع شخصي أو نزاع حول المناصب، كان صراعا دستوريا بامتياز، صراعا بين رؤية الدولة الحديثة ورؤية الحكم التقليدي المطلق. 

النحاس آمن بأن الحكومة يجب أن تكون أداة لخدمة الشعب، وأن البرلمان له دور رقابي لا يقل أهمية عن تنفيذ السياسات الوطنية، وأن أي خلط بين الصلاحيات يضع الدولة كلها على المحك. 

واليوم، ونحن نعيش تحت دستور حديث ينص على التوازن بين السلطات، نجد أن ذكرى هذه الاستقالة تحمل معنى قويا: أن الحرص على المؤسسات، واحترام دور البرلمان، وضمان عدم هيمنة أي سلطة على الأخرى، كلها عناصر حاسمة لاستقرار الدولة واستمرارها في خدمة الشعب.

لقد علمتني مدرسة الوفد، من خلال حياة رجال مثل النحاس، أن الوطنية ليست شعارات مكتوبة على ورق، بل مواقف تتخذها على أرض الواقع، حتى لو كلفك ذلك غاليا. 

تعلمت أن حب الوطن يعني أن نرفض أي إضعاف لمؤسسات الدولة، وأن ندافع عن حقوق المواطنين بالعمل الجاد والمسؤولية، وأن نضع مصلحة مصر فوق أي اعتبارات شخصية أو ضغوط خارجية. 

الاستقالة التي قدمها النحاس كانت تعبيرا عن هذا الفهم، عن هذا الحب العميق، عن هذا الالتزام الذي يجب أن يظل نبراسا لكل من يسعى لخدمة وطنه.

وإذا نظرنا إلى الحاضر، نجد أن التوازن بين مؤسسات الدولة ليس مجرد كلام نظري، البرلمان اليوم هو صوت الشعب، والحكومة هي أداة تنفيذ، والسلطة القضائية هي حامي القانون والحقوق، كل سلطة لها دور، وكل دور يجب أن يحترم الآخر. 

أي خلل في هذا التوازن يمكن أن يضع الدولة في مأزق، ويعطل التنمية، ويهدد الاستقرار. هنا، تتجلى أهمية درس النحاس: أن تبني الدولة الحديثة يتطلب حكمة، صبرا، شجاعة، واحتراما للضوابط الدستورية.

وفي النهاية، كلما تأملت في يوم 15 مارس 1928، أشعر بالفخر والامتنان لأولئك الذين وقفوا في مواجهة الضغوط وقدموا مصلحة الوطن على كل شيء. 

تعلمت من حياة مصطفى النحاس أن الوطنية ليست مجرد شعور، بل موقف، وأننا جميعا، مهما كانت أدوارنا صغيرة أو كبيرة، مسؤولون عن الحفاظ على مصر قوية، متوازنة، ومزدهرة. 

وبتلك الروح، أستمر أنا أيضا في حب بلدي، في الدفاع عن مؤسساتها، وفي إحياء إرث الوفد الذي غرس فينا شعور الانتماء، والإخلاص، والوفاء لتراب الوطن الغالي.