فى الحومة
تلاحظ إلى أحد أطباء القلب بولاية كاليفورنيا أن إحدي البلدات الكبرى بالولاية وتسمى جنوة وهم من أصول ايطالية فكلهم قادمون من جنوة بايطاليا منذ ١٨٩٢ فى هجرات متتابعة حتى انشأوا هذه البلدة أنهم لا يشتكون من أمراض القلب إلا فى سنوات ما بعد السبعين عكس سكان كاليفورنيا الذين تنتابهم أعراض تلك الأمراض فى سن مبكرة فى الخامسة والأربعين فعمل بحثا عن سكان تلك البلدة فوجد أن أكلهم ليس صحيا فهم يميلون إلى أكل المعجنات الإيطالية ورأى طعامهم وشرابهم كبقية الولاية ولكنه رأى مسلكًا هامًا يختصون به فمن عاداتهم أنهم يقفون فترات مع بعضهم البعض فى الشوارع يتحدثون بالايطالية وهنالك أحاديث وتواصل وحميمية بينهم فى تلك اللقاءات فاستخلص من هذا البحث أن التفاعل البشرى والاستئناس والحميمية والشعور بالألفة والمحبة كل تلك المشاعر يكون بها الشخص سليما صحيا ومعافى بدنيا وبعيدا عن الضغوطات الحياتية، والحقيقة أن الحياة المادية والمجتمعات الصاخبة وكل تلك الأجهزة التى بين أيدينا ونتعايش معها يجعل الإنسان فى دوامة لا تنتهى وأذكر أن الدكتور شعلان العالم النفسى الشهير وصف علاجًا لأحد رجال الأعمال أن ينام فى غرفة البواب بعيدا عن كل تلك المؤثرات الضارة ويبدو أن وتيرة الحياة السريعة وطغيان المادة وتغيير نمط وسلوك الإنسان فى هذا العصر بسبب التكنولوجيا افتقدنا أنفسنا أن جاز التعبير وأصبحنا أسرى لهذه الطبيعة المادية ولا يمكن الفكاك منها ولكن كيف للإنسان أن يتماهى مع طبيعة هذا العصر دون أن يتعرض لتلك المصاعب ولا يصبح ترسا فى آلة والسبيل إلى ذلك لكى لا يفقد الإنسان خصائصه التى تتمثل فى طبيعته البشرية فالانسان كائن اجتماعى وهو يؤنس ويستأنس ويؤلف ويؤتلف، ولهذا فالاسلام حض على إشاعة الود والمحبة والألفة بين الناس ففى حديث أبوهريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء أن فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم وفى حديث آخر قال عليه السلام أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام وهذه الأحاديث وغيرها تدل على عظيم منزلة إفشاء السلام ووجوبها على الناس لإتمام إيمانهم ولدخولهم الجنة وسبحان وتعالى خلق الإنسان وهو به أعلم لصلاح حاله دينه ودنياه والمشاهد فى هذه الأيام ترك الناس لهذه الفضيلة المهمة فتراهم لا يسلمون على بعضهم البعض وهم فى عمارة واحدة ولهذا انتشرت الأمراض القلبية والاكتئاب والأمراض النفسية العديدة وسادت البغضاء والكراهية فالواجب علينا العودة إلى النهج النبوى الكريم بالسلام على من نعلم ومن لا نعلم حتى تعم المحبة والمودة وتزداد أواصر الأخوة بين الناس ولقد كان عبدالله بن عمر رضى الله عنهما يذهب إلى الأسواق لا لكى يشترى أو يبيع ولكن لكى يسلم على الناس ولذلك لم نسمع عن هؤلاء ما أصابنا من أوجاع وأسقام وأمراض فى القلب والنفس وانتشار أمراض الضغط كل هذا بسبب ابتعادنا عن الروشتة الربانية من إفشاء السلام والمحبة بين الناس، ولهذا فالواجب علينا العودة وبسرعة إلى إفشاء السلام أن تلاقى أخاك مستبشرا حريصا على ود الناس مبتسما بشوشا فى وجوههم فهذا هو الطريق القويم لسلامة النفس البشرية ووقاية من الأمراض العصرية.