دوحة المقاصد
السنة النبوية هى دوحة البيان النبوى، تطلق عند المحدثين: على كل ما أُثِر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو خُلُق أو شمائل أو أخبار أو صفات خِلقية دون نظر إلى ما قد يثبت به حكم شرعيٌ أو ما لا يثبت به حكم، وسواءٌ فى ذلك ما كان بعد البعثة وما كان قبلها، بينما تطلق عند الأصوليين والفقهاء: على أقواله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أفعاله وتقريراته، ما يدل على حكم شرعى. ومدخلنا لمقاصد السنة يجعلنا نضع فى الحسبان ما توسع فيه المحدثون وما قيده الأصوليون؛ حتى تكون النظرة للتصرفات النبوية شاملةً، ولنجمع مع سُننِ هيئاتِه سننَ مواقفه؛ لتتسع دائرةُ الاستدلال والتنزيل والتطبيق.
ونستطيع أن نرد مقاصد السنة إلى خمسة مقاصد:
1- مقصد البيان: فالسنة النبوية جاءت مبينة وموضحة لمراد الشارع من النص القرآنى، فالأحكام فى القرآن غالبيتها جاءت فى صورة قواعد وكليات تندرج تحتها جزئيات وأصول تندرج تحتها فروع، وعليه: فالسنة إما أن تكون جاءت مؤكدة ومقررة لما جاء فى القرآن الكريم أو مبينة لمجمله، أو مخصصة لعامه أو مقيدة لمطلقه، أو موضحة لمشكله، وتفصيل ذلك تجده فى كتب الأصول مبسوطاً ومشروحاً ومُدللاً عليه.
2- مقصد التشريع: أجمع المسلمون على أن السنة إذا ثبتت وصحت فهى حجة فى الدين، والدليل الثانى من أدلة الأحكام: أنها كالقرآن فى تحليل الحلال وتحريم الحرام، حتى قال بعض الأصوليين: إن حجية السنة ضرورة دينية لا يخالف فى ذلك إلا من لا حظ له فى دين الإسلام.
3- مقصد التنزيل: فالسنة هى التطبيق العملى لأحكام القرآن والمنهج العملى الجامع لأحكام الإسلام، فالسنة من مقاصدها: تنزيل النص القرآنى على واقع الناس، ورفع ما يقع بينهم من خلاف، وتصحيح ما يقعون فيه من التباس، يقول تعالى: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا»، «النساء: 65». والقضاء هو تنزيل النصوص على الوقائع ثم بيان حكم الشارع.
4- مقصد الاقتداء: من مقاصد السنة الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم- فى سنته لما فى ذلك من نجاة عند الفتن والشدائد، وعصمة عند الاختلاف والتفرق، فقد وردَ عن الرسول قوله: «فإنه من يعش منكم فسيرَ اختلافًا كثيرًا، فعليكُم بسُنَّتى وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّينَ من بعدِى عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ» «رواهُ أبو داود والترمذىُّ»، لذلك جاءت الدعوة للتأسى بالرسول فى القرآن الكريم وسط آيات تتحدث عن غزوة الخندق عندما تجمعت الأحزاب لتستأصل شأفة المسلمين: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا» «الأحزاب: 21-22».
وآخر تلك المقاصد: مقصد الرحمة: فالسنة النبوية هى الترجمة العملية لقوله تعالى: «ومَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» «الأنبياء: 107»، وقوله عليه السلام: «إِنَّمَا أَنا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» «رواه الحاكم»، وعندما قيل له: ادع على المشركين، قال: «إنى لم أُبْعَثْ لَعَّاناً، وإنما بعثت رحمة»، «رواه مسلم». وتفرع عن مقصد الرحمة مقصد التيسير والسماحة ما يُبرهن على مركزية مقصد الرحمة فى السنة النبوية.