كلام فى الهوا
دخلت على صديقى «حنظلة»، وجدته مُكتئباً حزيناً، فسألته عما يُحزنه؟ فقال: كُنت جالساً مع بعض الأصدقاء وأفضت لهم بسر ليس بالعظيم لكى أعرف من منهم الذى يُفشى أسرارى، والآن غُم علىّ الأمر ولا أستطيع أن أعرف أيُهما، فسألته: هل كل من كانوا جالسين معك تعتقد حُبهم لك؟ قال بسرعة أعتقد أن فيهم شخص لا يُحبنى، وكنت أعتقد أنه الذى يُسرب أخبارى وأسرارى وكنت قد طلبت منهم الاحتفاظ بهذا السر لأضبط هذا الشخص، فقلت له: ما دافع ترددك إذاً، قال الذى أفشى السر كان كلامه طيب فيه مديح لى وإطراء على أننى أحب الخير، رغم الذى قلته كان بعيداً عن ذلك، ولأن هذا الشخص الذى أشك فيه إذا كان أفشى هذا السر كان بالضرورة نسب إلى عكس ذلك بالتأكيد، ولذلك لا أراه هو الذى أفشى السر، لذلك فهو برىء من هذا الاتهام، فقلت له: إذاً رتب هؤلاء الذين كانوا جالسين معك حسب إحساسك بالحب منهم دون مبالغة وابتعد عن النفاق، فليس كل من يُسمعك كلاماً طيباً ترضى عنه يُحبك، سوف تعلم مكانة هذا الذى أفشى السر منك، بعدم أحقيتك لما قاله عنك إذ إن ما قلته كما هو أو أضاف فيه وبدون حرج منهم، فإذا كان لصالحك فهذا الشخص يحبك ويخاف عليك، وأنه عندما قلت له هذا السر كان فى موقف الدفاع الشرعى عنك، فالخائن لا يمدح إنما يذم، لأنه تبع هواه.