دوحة المقاصد
الإسلام هو دين الله فى الأرض، اختاره ليكون خاتمة الرسالات السماوية، والمهيمن بقرآنه على بقيه ما سبق من شرائع، وخصه بخصائص تحفظ له الديمومية والبقاء والصلاحية مع اختلاف الزمان والمكان والأحوال والطبائع البشرية، ومن العجيب أن الجهل بالإسلام من أدعيائه وأعدائه على السواء أضر برسالته أيما ضرر حتى بُشعت صورةُ الإسلام فى نفوس البعض، وانشغلت واشتغلت ماكينة الكذب والتضليل لتتهم الإسلامَ بالتطرف والغلو والإرهاب وسفك الدماء، وهو من كل ذلك براء، لذلك كان مفتتح الحديث فى دوحة المقاصد عن «مقاصد الإسلام» كدين قبل أن نغوص فى مقاصده كاعتقاد وشرع وأحكام للعالمين.
وبالتأمل العميق نستطيع أن نرد مقاصد دين الإسلام إلى أربعة مقاصدَ تُعد كلياتٍ يندرج تحتها المئاتُ من الفروع والجزئيات، وهى:
1- مقصد التوحيد والعبادة، 2- مقصد الرحمة والهداية، 3- مقصد الاستخلاف والعمارة، 4- مقصد الإحسان والتزكية.
فالله عز وجل جعل المقصد الأسمى للإسلام أن يشهد الخلق بأنه هو الواحد الأحد، كما شهد هو والملائكة، قال تعالى: «شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ..» «آل عمران: 18»، كما أنه علم الإنسان الأسماء كلها ليعقل الأمر الإلهى بوحدانيته، قال تعالى: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» «محمد: 19»، من ناحية، وعبادته من ناحية أخرى، قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون» «الذاريات: 56»، ولذلك قال الشاطبى: «المقصد الشرعى من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبدلله اضطرارًا».
والمقصد الثانى للإسلام: هو الرحمة والهداية، وهما أساس الرسالة المحمدية الخاتمة، وعمدتها، ولحمتها وسداها، لقوله تعالى: «مَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» «الأنبياء: 107»، والعالمين: ما دون الله من بشر وبهائم وحجر وشجر، ولب هذه الرحمة الهداية، لذلك كان النداء المحمدى لجميع الناس: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» «صحيح - رواه ابن سعد، وابن أبى شيبة، والدارمى، والطبرانى، والحاكم». ما يبرهن على أن مقصد الرحمة والهداية من أبرز المقاصد العليا للإسلام.
والمقصد الثالث: «مقصد الاستخلاف والعمارة»، فالإسلام من مقاصده أن يقوم الإنسان فى الأرض بواجب الاستخلاف الذى خصه الله سبحانه وتعالى به دون غيره من المخلوقات، الذى يقتضى البناء والعمارة ودفع الفساد والدمار، قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُون» «البقرة: 30»، وقد نص القرآن على هذا المقصد بوضوح فى قوله تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» «هود: 61» والاستعمار هو طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب كما قال علماء الأصول.
المقصد الرابع: مقصد الإحسان والتزكة، وهو من مقاصد الإسلام السامية، فالدين الإسلامى دين الإحسان الذى كتبه الله على كل شيء، فعن أبى يعلى شداد بن أوسٍ رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شىءٍ..» «رواه مسلم»، كما أن الإسلام جاء كدين فلاحٍ وجعل نداءه للصلاة فى لُبِّهِ «حى على الفلاح» وقد قرن الفلاح بالتزكية، فقال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» «الشمس: 109-110»، وهذا المقصد يُظهر أن البعد القيمى والأخلاقى حاضر بقوة فى مقاصد الإسلام.
وعلى كل ما سبق يظهر جليًا أن هذا الدين مقاصده العُليا هدفها: هداية الخلق، وإقامة الفرض، وعمارة الأرض، ورحمة العالمين، وإحسان للخلق أجمعين، وتزكية للوجدان، وفقه الاستخلاف فى صيانة الأكوان.