بناء حضارى ومنارة ثقافية جديدة
عمان تدشن مسرحاً للفنون
لا ينفصل البناء الحضارى لأى أمة عن الفنون؛ لأنها الوعاء الذى تنصهر فيه كل القيم المعرفية والثقافية، وتقاس حضارة الأمة بما حققته من حصيلة التقدم المادى والفكرى والثقافى عبر الزمن.
وليس من قبيل المصافة القول إن عمان أمة عريقة صنعت حضارة عبر الزمن، حضارة مزجت بين التقدم المادى والتقدم الثقافى والمعرفى، وإنما هى أمة إنسانها متزن ومنتمٍ لا يشعر فيها بغربة أو حالة إنكار ثقافى مع الذات أو مع الأرض.
وعندما تهتم عمان فى عهدها الحديث بالفنون ودعمها وبالمعرفة وبنائها فى الوقت نفسه الذى تهتم فيه ببناء الاقتصاد وتشييد البنى الأساسية الحديثة فى الدولة إنما هى تصنع تلك الثنائية التى تحقق التوازن والبناء الحضارى الصحيح.
ولعل عمان مقبلة على مرحلة مهمة من هذا البناء الحضارى الذى يضيف على ما تم إنجازه عبر الزمن سواء فى الجانب المادى أو الجانب الثقافى؛ فإضافة إلى المتاحف التى افتتحت خلال المرحلة الماضية هناك مشروع المركز الثقافى الذى ينتظر أن يكون أحد أبرز المشاريع الثقافية العمانية العملاقة بما يتضمنه من مرافق بينها المكتبة الوطنية والمسرح الوطنى الأمر الذى ستشهد معه عمان نهضة ثقافية ومعرفية تجعلها تحافظ على مكانتها التاريخية التى كانت على الدوام رافداً مهماً من روافد الحضارة الإنسانية.
وقد أضافت وزارة الإعلام لبنة مهمة لهذا المسار الحضارى العمانى عندما افتتحت «مسرح وزارة الإعلام» الذى ينتظر أن يكون محطة إشعاع ثقافى خاصة وأنه يتمتع ببنية أساسية متقدمة تضاهى المسارح الحديثة.
وبالنظر إلى ما تضمنه حفل الافتتاح من عرض لفنون موسيقية وضوئية وتقنيات حديثة فإن المرحلة القادمة، بالنسبة إلى هذا المسرح، ستشهد عروضاً ثقافية وفنية عبر استضافة عروض مسرحية وموسيقية وفكرية تثرى المشهد الثقافى العمانى فى عمومه بالقدر نفسه الذى تثرى فيه المشهد الإعلامى وتعيد لمسرح الإعلام فى المشهد العربى حضوره وألقه.
ولا شك فى أن هذا المشروع هو جزء ضمن استراتيجية ثقافية عمانية كبرى تعنى بكل ما من شأنه تقوية المجتمع وبناؤه البناء الحقيقى الصلب أمام كل التحولات التى يشهدها العالم.
ففى حدث يعكس التزام وزارة الإعلام المستمر بدعم الفنون والإبداع، تم افتتاح مسرحها الجديد، بحضور الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصى وزير الإعلام، وعدد من المسئولين بالإضافة إلى كوكبة من الإعلاميين والمثقفـين المهتمين بالشأن الثقافـى والفنى.
تجسد وزارة الإعلام من خلال هذا المسرح مفهوماً جديداً لتجربة متكاملة لاستضافة الفعاليات الثقافـية والفنية، حيث تم تزويده بأحدث المواصفات الفنية والتقنية التى تضمن تقديم العروض بأعلى مستويات الجودة، ويتسع المسرح لقرابة 500 شخص، وشيد على مساحة تبلغ 560 متراً مربعاً بينما تبلغ مساحة خشبته 150 متراً مربعاً، ويضم قاعة استقبال وقاعة مجهزة لتجهيز العروض، بالإضافة إلى شاشة عرض كبيرة. وغرفاً خاصة للتعليق والترجمة والتحكم والنقل الخارجى.
دور محورى للإعلام فـى نقل الثقافة والفكر وإثراء المشهد الثقافى
يمثل افتتاح المسرح إضافة نوعية تثرى المشهد الثقافـى والفنى، حيث لا يقتصر دوره على كونه صرحاً معمارياً حديثاً، بل هو تجسيد حى لرؤية ثقافـية طموحة تسعى الوزارة من خلالها إلى دعم الإبداع الفنى واحتضانه، عبر توفـير منصة حديثة تواكب تطلعات الحراك الفنى والإعلامى فـى البلاد. ويعكس هذا الإنجاز الدور المحورى للإعلام فـى نقل الثقافة والفكر بأساليب معاصرة تسهم فـى إبراز الهوية الوطنية والتنوع الثقافـى الذى تتميز به سلطنة عمان.
كما يوفر المسرح بيئة تفاعلية تتيح للمواهب العمانية الشابة مساحة للإبداع والتألق، ما يعزز من نمو المشهد الفنى ويتيح فرصاً جديدة للتعبير الفنى بأساليب تتماشى مع المتغيرات الثقافـية والإعلامية الحديثة.
ويمثل هذا الصرح حلقة وصل بين الماضى العريق والحاضر المتجدد، حيث يسهم فـى تطوير البنية الأساسية للمجال الإعلامى، ليكون منبراً للحوار والتفاعل الإبداعى، يعزز من دور الإعلام العمانى فـى تقديم صورة متكاملة عن ثراء الإرث الثقافـى وروح الابتكار التى تميز سلطنة عمان.
حيث لا يقتصر هذا الإنجاز على الجانب الفنى فحسب، بل يمتد إلى ترسيخ مكانة الإعلام كوسيلة لنقل التجربة الثقافـية العمانية إلى العالم، عبر تقديم محتوى يعكس الهوية الوطنية بأسلوب يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ما يجعل من المسرح ليس مجرد منصة للعرض، بل فضاء يعكس روح الثقافة والفن، ويواكب تطلعات الأجيال القادمة فـى ظل التطورات المتسارعة فـى المشهد الإعلامى والفنى.
العودة إلى الجذور
تضمن افتتاح المسرح الجديد مجموعة متنوعة من العروض الثقافـية والفنية التى عكست التنوع والثراء الثقافـى فـى سلطنة عمان حيث بدأ بعرض حمل عنوان «الإعلام العمانى.. عودة إلى الجذور»، استخدمت فـيه تقنية التصوير ثلاثى الأبعاد (الهولوجرام)، وقدم العرض ملامح تطور الإعلام العمانى، مستلهماً روح الأصالة ومتجذراً فـى الهوية العمانية التى أضفت طابعها الخاص على أسلوب نقل الخبر وتداوله عبر الأجيال، مستعرضاً مراحل تطور الإعلام العمانى، وأبرز مساهمته فـى توثيق التحولات الثقافـية والاجتماعية التى شهدتها سلطنة عمان على مر العقود.
كما تضمن الافتتاح عرضاً لحصاد وأعمال ومؤشرات وزارة الإعلام فـى العام 2024 عبر مختلف أذرعها الإعلامية، حيث سلطت الضوء على أبرز الإنجازات والمشاريع التى تم تنفـيذها خلال العام، ومراحل التطوير التى شهدها القطاع الإعلامى فـى سلطنة عمان، وجاء هذا العرض تأكيداً لالتزام الوزارة بتطوير المحتوى الإعلامى وتعزيز حضوره محلياً ودولياً، بما يواكب المستجدات التقنية والإعلامية.
عكس هذا العرض التوجه الاستراتيجى لوزارة الإعلام نحو دعم المحتوى الإبداعى وتمكين الكفاءات العمانية، من خلال تحفـيزها على تقديم أعمال نوعية تتماشى مع التحولات الإعلامية العالمية، حيث حرصت الوزارة على توظيف إمكاناتها البشرية والتقنية بأفضل صورة ممكنة، مستفـيد من أحدث التطورات فـى المجال الإعلامى، لضمان تحقيق الأهداف المنشودة على مختلف الأصعدة.
ويأتى هذا ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تطوير الأداء الإعلامى وتعزيز قدرة القطاع على مواكبة المعايير العالمية، بما يضمن استمرار الإعلام العمانى فـى أداء دوره الفاعل فـى نقل الرسالة الوطنية بأساليب متجددة تعكس روح الابتكار والتطور، وانطلاقاً من التزامها بمبدأ إتاحة المعلومة بشفافـية لكل أفراد المجتمع، حرصت وزارة الإعلام على إيصال رسالتها الإعلامية إلى أوسع شريحة ممكنة، معتمدة على تنويع منصاتها وأدواتها الاتصالية لضمان وصول المحتوى الإعلامى إلى مختلف الفئات.
وقد جاء هذا التوجه ليعزز من ترسيخ الوعى المجتمعى، ويعمق مشاعر الانتماء الوطنى، من خلال تقديم محتوى غنى يلبى اهتمامات الجمهور واحتياجاتهم المعرفـية، مما يسهم فـى بناء وعى إعلامى متزن يعكس الهوية الوطنية فـى إطار حديث ومتطور، يواكب التحولات التى يشهدها المشهد الإعلامى العالمى.