اليوم نحتفل بالذكرى الحادية والخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، الحرب التي وضعت مصر على خارطة الانتصارات العسكرية الحديثة، وأثبتت للعالم أن إرادة الإنسان المؤمن بوطنه أقوى من أي قوة، وأن الإيمان بالحق والكرامة لا يمكن أن يقهر.
السادس من أكتوبر ليس مجرد يوم في التقويم، بل هو يوم خالد في ذاكرة كل مصري، يوم تجسدت فيه البطولة والتضحية والإبداع العسكري، يوم عبور الجيش المصري لقناة السويس واقتحامه لخط بارليف، في واحدة من أعظم المعارك التي شهدها التاريخ الحديث.
حرب أكتوبر عام 1973 كانت لحظة فاصلة، حيث استعاد الجيش المصري أرضه المحتلة بعد ست سنوات من الهزيمة في 1967، وأثبت أن المصريين قادرون على صنع المستحيل.
لم تكن الحرب مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت درسا في الصبر والإصرار والتخطيط الدقيق، ودليلا على وحدة الشعب مع جيشه، في ذلك اليوم، اندلعت المعركة في شهر رمضان، وتفاجأ العدو بضربة جوية دقيقة، أعقبتها موجات من القوات البرية تعبر القناة وتخترق التحصينات الإسرائيلية، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخ مصر الحديث.
لن ننسى أبطال أكتوبر الذين صنعوا هذا النصر العظيم، من القادة العسكريين الذين وضعوا الخطط الاستراتيجية بحكمة، إلى الجنود الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الوطن.
اللواء عبد المنعم رياض، رغم استشهاده قبل الحرب، كان ذهنه العسكري وخططه لاقتحام خط بارليف أحد الركائز الأساسية للنصر، والفريق أحمد إسماعيل علي والفريق سعد الدين الشاذلي والمشير محمد عبد الغني الجمسي والفريق محمد سعيد الماحي واللواء محمد علي فهمي، جميعهم أظهروا براعة قيادية استثنائية، وساهموا في تحويل الحلم المصري إلى واقع ملموس.
أما الجنود مثل الملازم أول محمد المصري والجندي عبد العاطي محمد حسن، فقد كتبوا أسماءهم بحروف من ذهب على صفحات التاريخ، بصبرهم وشجاعتهم في مواجهة الدبابات الإسرائيلية وتحطيمها.
إن بطولات هؤلاء الرجال لم تقتصر على القادة والجنود فقط، بل شملت كل من ساهم في بناء القوات المسلحة بعد نكسة 1967، وتجهيز الخطط العسكرية، وإطلاق الصواريخ وإدارة العمليات الجوية والبحرية، ليصبح الجيش المصري قوة لا يستهان بها، قادرة على قلب الموازين لصالحها، كل معركة، وكل عبور للقناة، وكل مواجهة مع الدبابات والطائرات الإسرائيلية كانت بمثابة درس في الانضباط والإصرار والشجاعة.
النجاح في أكتوبر لم يكن مجرد مصادفة، بل نتيجة التخطيط الدقيق والمفاجأة الاستراتيجية والروح القتالية العالية، الجيش المصري استطاع تجاوز خط بارليف، واستخدام ابتكارات هندسية لتجريف الرمال وفتح الثغرات، بينما تصدى الدفاع الجوي والطيران المصري للغارات الإسرائيلية، ليصبح كل جندي مصري رمزا للبطولة والإخلاص.
معركة الثغرة ومعركة المزرعة الصينية، ومختلف العمليات الأخرى، أثبتت أن المصريين لا يعرفون المستحيل، وأن إرادة الوطن أقوى من أي سلاح.
بعد انتهاء الحرب، أصبح السادس من أكتوبر رمزا للكرامة والشرف العسكري المصري، وتذكيرا بأن الانتصار لا يأتي إلا بالوحدة والإيمان والجهد المتواصل.
لم تكن حرب أكتوبر مجرد استعادة لأرض، بل كانت استعادة لشرف الأمة المصرية، ورسالة لكل الأجيال القادمة أن التضحية في سبيل الوطن هي أعظم ما يمكن أن يقدمه الإنسان، وقد أسهم هذا النصر في تمهيد الطريق لمفاوضات السلام، وبناء مستقبل أفضل لمصر والمنطقة.
اليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الحادية والخمسين، نستذكر هؤلاء الأبطال الذين كتبوا تاريخ مصر بأيديهم، ونجدد العهد بأن نكون دائما عند مستوى تضحياتهم، تحيا مصر، تحيا الكرامة، وتحيا روح أكتوبر المجيدة التي أثبتت للعالم أن الإرادة المصرية لا تقهر.