اعرف حقك.. ما لك وما عليك أمام الله
في حديث مليء بالحكمة والبصيرة، أوضح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق، مفهومًا عميقًا عن العلاقة بين الإنسان وربه، ودعا الجميع إلى فهم حقيقي لما لهم وما عليهم.
يقول الدكتور جمعة عبر صفحته الرسمية على موقع (فيسبوك): “يجب عليك أيها الإنسان أن تعرف ما لك وما عليك، وكل واحدٍ يجب أن يعرف حقَّه”.
ما عليك تجاه الله:
أكد جمعة أن العبد عليه واجبات واضحة تجاه الله عز وجل، تبدأ بالطاعة وأداء الفروض والواجبات، مرورًا بالحرص على السنن والرواتب والنوافل. لكنه لفت الانتباه إلى أن هذه الأعمال لا تُمثّل فضلًا من الإنسان على الله، بل هي مجرد رد لبعض النعم التي أنعم بها الخالق عليه.
وأشار إلى ضرورة إدراك الإنسان لحقيقة افتقاره التام إلى الله، قائلاً: "يا مسكين، اعرف نفسك! وقف عند حدِّك! تعلم أن الجناية عليك حُجَّة، والطاعة عليك مَنَّة؛ فأنت مدين في الجناية، مدين في الطاعة".
ما لك عند الله:
وبيّن جمعة أن الإنسان لا يملك شيئًا عند الله بمقابل أعماله، موضحًا أن دخول الجنة لا يكون بالأعمال وحدها، بل بفضل الله ورحمته. واستشهد بحديث النبي ﷺ: "لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ"، وعندما سأله الصحابة: "ولا أنت يا رسول الله؟" أجاب: "لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضلٍ ورحمةٍ".
حول الطاعة والمعصية:
حذّر جمعة من مغالطة شائعة لدى البعض حين يبررون المعصية بأنها مكتوبة عليهم، مؤكدًا أن هذه الجناية حُجّة على العبد وليست عذرًا له. وأضاف: “لقد كُتبت عليك لكي تعتذر، وتقول له: ”سامحني، اغفر لي"، لتُثبت افتقارك إليه، ولا تتكبّر".
أما الطاعة، فهي في نظره مسؤولية جديدة على العبد؛ لأنها تستوجب الشكر، والشكر بدوره يتطلب شكرًا آخر، في سلسلة لا تنتهي.
خطورة التكبر وتعيير الآخرين:
ومن الجوانب التي أضاء عليها د. جمعة مسألة تعيير الآخرين بالمعاصي، محذرًا من أن ذلك قد يؤدي إلى هلاك المعير، حيث قال: "كل معصية عيّرت بها أخاك مردودةٌ عليك، لأنك بتعييرك قد برّأت نفسك، وتبرئتك لنفسك كِبر".
وأضاف، أن الله قد يغفر للعبد العاصي بسبب توبته وندمه، بينما يُؤاخذ من عيّره وتكبّر عليه.
دعا الدكتور علي جمعة في ختام حديثه إلى الالتزام بميزان دقيق يضبط العلاقة بين العبد وربه، مؤكدًا أن غياب هذا الميزان يُفضي إلى ضياع الوقت والحقيقة، وختم قائلاً: "إذا حدث ذلك، فإنك ستتوه ولن تعرف الحقيقة أبدًا".
بهذه الكلمات يضع الدكتور علي جمعة بين أيدينا خارطة طريق لفهم أعمق لدورنا كعباد لله، ويذكّرنا بحقيقتنا الإنسانية في مقابل عظمة الخالق.