رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

حادث نجل زوجة «الشيف» فتح الملف:

طيار على كف عفريت| دماء «عمال الديليفري» في رقبة مَن؟

عمال الدليفري
عمال الدليفري

محرومون من التأمين الصحي والاجتماعي ويتعرضون لحوادث يومية.. وأبناء المشاهير أبطال الحكاية

"مريم" تحمل طفليها وبضائعها على الإسكوتر و"عبدالرحمن" طالب الأزهر يطلب الرأفة

"عمار" مهندس برمجيات استغل هوايته ودراسته وبدأ مشروعه الخاص.. و"محمد" يطالب بنقابة تحمي حقوق العمال

البطالة فرضت على 6 ملايين شاب وفتاة العمل في هذه المهنة.. وتدخل الدولة لحمايتهم واجب

لا يزال مسلسل «السرعة الجنونية» مستمرًا، حاصدًا أرواح الأبرياء يوميًا، ضحاياه في كل مكان ومعظمهم من عمال الدليفري الشقيانين، الذين يجوبون بدراجاتهم سواء كانت نارية أو هوائية أرجاء المدن باحثين عن «اللقمة الحلال»، ولكن منهم من يفقد حياته بسبب تهور بعض «المُدللين»، الذين يقودون سياراتهم بسرعة غير آبهين بأرواح من يسيرون بجوارهم، لتسيل دماؤهم على الأسفلت تاركين وراءهم أسرًا بلا عائل، ووجعًا لا ينتهي في القلوب، وخلال الساعات الأخيرة انضمّ عضو جديد إلى قائمة «مُستباحي دماء عمال الدليفري»، الذي دهسه أحد هؤلاء بسيارته ليستمر مسلسل القتل غير الرحيم.

وكانت مدينة الشيخ زايد قد شهدت فجر الجمعة، حادثًا مروعًا راح ضحيته «عبدالرحمن فراج» عامل الدليفري، ابن بني سويف، بعدما دهسته سيارة «رانج روفر» يقودها «ابن نجل زوجة الشيف» بسرعة جنونية وفرّ هاربًا تاركًا ضحيته يُصارع سكرات الموت.

“عبدالرحمن فراج” ضحية نجل زوجة الشيف الشربيني

هذا الحادث ليس الأول فى مسلسل دهس «عمال الدليفرى» فقد سبقه بـ6 أشهر حادث آخر، راح ضحيته عامل دليفرى على يد نجل الفنان أحمد رزق بمدينة 6 أكتوبر، ما تسبّب فى إصابة العامل بإصابات خطيرة نقل على إثرها إلى المستشفى، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

أحمد رزق ونجله

تحمل الحوادث في طيّاتها قصصًا مؤلمة لأناس أبرياء أُهدرت حقوقهم وتناثرت دماؤهم على الطرقات.

الوفد رصد حكايات من دفتر شقاء «عمال التوصيل» الذين يشتغلون بلا حقوق ودون حماية.

تراهم يجوبون الشوارع ليلًا ونهارًا، لا مُستراح لهم، ولا مرسى لخطواتهم المتسارعة على رمال الحياة، لا يلتفت لمعاناتهم أحد، يخوضون حربًا ضد الوقت، فتجدهم يستقلون دراجاتهم حاملين «الأوردر»، يسابقون عقارب الساعة لتوصيله سريعًا واللحاق بآخر، فينتشرون بين الأزقة ويخترقون الصفوف ويتسللون بين الزحام، وعلى تلك الشاكلة تُقاس مدة بقائهم في مهنة «توصيل الطلبات».

شباب في مقتبل العمر انغمسوا في المسؤولية بعد أن طالهم شبح البطالة، يعولون أسرهم ويُصارعون أزماتهم فتنتصرُ عليهم مرة وينهزمون أمامها مرّات، إذا ما خارت قواهم استيقظت عزيمتهم أمام لهيب «الحاجة» ليستكملوا الطريق ويواصلوا المسير بمهنة مُنتزعة الحقوق لمواجهة الغلاء الذي يأكل الأخضر واليابس، فلا يُبقي في الجُيوب ولا يذر، إنهم ضحايا الطرقات وفاقدو التأمينات.

فى آخر تقدير لعدد العاملين بتلك المهنة، ذكرت وزارة التضامن الاجتماعى أن عددهم وصل إلى 6 ملايين شاب وفتاة، وراء كل منهم قصة شقاء وشرف رصدت الوفد بعضًا منها.

أم بدرجة بطلة

قاومت ظروفها الصعبة ووقفت لها بالمرصاد، وألغت من قاموس حياتها عبارات اليأس والإحباط، وازنت بين عملها ورعاية صغارها دون أن تكل أو تمل، تلك هى «مريم حنفى» عاملة الدليفرى، صاحبة الـ27 ربيعًا، والحاصلة على بكالوريوس نظم ومعلومات إدارية.

مريم حنفي تحتضن طفليها النائمين أثناء عملها

بين عشيةٍ وضحاها أصبحت مريم مُثار حديث رواد منصات التواصل الاجتماعى، بعد التقاط صورة لها على دراجتها النارية وهي تحتضن طفليها النائمين أثناء عملها في توصيل الطلبات.

كشفت «مريم» خلال حديثنا معها عن كواليس الصورة المتداولة لها عبر السوشيال ميديا قائلة: «تحمّلت مسؤولية أولادى بعد سجن زوجي بسبب مشكلة خاصة بالخدمة العسكرية، عامان ونصف شغلت فيها دوري الأب والأم معًا، أوشكت على الانهيار لولا دعم والدتي وأشقائي وأشقاء زوجي ووقوفهم جانبي، قررت التكفل بمصروفات أولادي «إبراهيم» و«إسلام» فلم أجد أية فرصة عمل بشهادتي، علاوة على أنني كنت غير قادرة على إمساك القلم بسبب إعاقة في يدى اليمنى، بحثت خارج مجال دراستي وسألت صديقة مقربة تعمل فى إحدى شركات توصيل الطلبات عن فرصة عمل فأخبرتني بضرورة توافر الوسيلة شرط الالتحاق بالعمل براتب 6 آلاف جنيه».

وأضافت: «عندما أخبرت والدتي وإخوتى رفضوا الأمر، وكذلك زوجي، ولكنهم وافقوا بعد ذلك أمام إلحاحي، وتكفلوا بدفع مقدم «الاسكوتر» وبدأوا في تشجيعي، وكانت طبيعة العمل تُحتم عليّ الخروج في الثامنة صباحًا من شقتى فى الزاوية الحمراء إلى بيت والدتي في المنيل لأترك معها الطفلين ثم أنطلق لعملي، وبمجرد الانتهاء منه في الخامسة مساءً أذهب إليها وأصطحب الصغيرين على الأسكوتر لنعود لبيتنا، وفيما يخص الصورة المنتشرة فقد التقطها لي شخص يدعى «محمد طارق» وأنا راجعة بأولادي على كورنيش روض الفرج دون علمي كنوع من الدعم، وفوجئت في اليوم التالي بزميلي يخبرني بأن الصورة «تريند» وحين شاهدتها لم أتمالك نفسي من البكاء».

وتابعت: «المهنة كلها مخاطر، فقد تعرّضت لحوادث كثيرة، وفي كل مرة كنت أتمنى الشفاء من أجل أولادي، وفي آخر حادث أصبت بتمزق في الأربطة وتهالك الأسكوتر تمامًا وحاليًا أسعى لإصلاحه، وأضافت: بعد خروج زوجي من السجن عمل في المجال نفسه.

وقالت مريم أتمنى أن يكون لنا تأمينات اجتماعية، وأن يكون لي سكن جيد، فأنا وأولادي نعيش في شقة ضيقة مساحتها 36 مترًا، مضيفة «نفسي أوسّع على أولادي».

مخاطر بلا حماية

يتنفّس الصبح فتصحو معه همّته متهيئًا لبدء يوم عمل جديد يتقلّد دراجته النارية ساعيًا ما يزيد على 12 ساعة لكسب قوت يومه من مهنة توصيل الطلبات، فيعود في المساء لتقرَّ أجفانه بعد طول عناء.. ذلك هو النمط اليومي لـ«عبدالرحمن حلمي» الطالب بالفرقة الرابعة إعلام الأزهر، والذي كشف عن دوافعه للعمل بتوصيل الطلبات قائلًا: «تحمّست للخروج لسوق العمل الحر في مهنة يكثر فيها الاختلاط بجميع فئات المجتمع لكي أكتسب خبرة في التعامل وإنشاء علاقات جيدة وخصوصًا أنها لا تحتاج إلى رأس مال كبير، وبدأت العمل في يونيو 2020، عائلتي كلها تعمل في وظائف سواء كانت قطاعًا حكوميًا أو خاصًا، ولكن وجهة نظري مختلفة عنهم لذلك قررت الاتجاه للعمل الحر.

الشاب عبدالرحمن حلمي

وعن أصعب العقبات التي واجهها خلال عمله «دليفري» يقول «عبدالرحمن»: «الظروف الجوية السيئة عندما تكون شديدة الحرارة صيفًا أو شديدة البرودة شتاءً، والتعامل مع العملاء الذين يصعب التعامل معهم، وذلك يرجع لعدة أسباب؛ الجهل بسياسة الشراء أون لاين أو أن العميل يعاني من خلل نفسى أو يتهرب من استلام الأوردر لعدم توفر المال، علاوةً على الضغط الذهني والبدني للالتزام بالمواعيد المحددة مع العملاء رغم الازدحام المروري أو تعطل وسيلة النقل أو التغير المفاجئ في الطقس، وكذلك عدم قيام العملاء بإعطاء البيانات بدقة.

عدّد «عبدالرحمن» أصعب وأغرب المواقف التي تعرض لها خلال عمله ذاكرًا منها: «التعرض للتثبيت والبلطجة، كما أن بعض العملاء يستلمون الأوردر سليمًا، ويحدث تلف منهم فيتهمون المندوب بأنه السبب، وأضاف: أحب المهنة ولكنها بطبيعتها خطر جدًا بسبب الحوادث التي تؤدي إلى الوفاة أو الإعاقة أو تدمير الوسيلة المستخدمة وأحيانًا تحدث مشاجرات مع العملاء، وقد تتعرض البضائع أو الشحنات للتلف بسبب سقوطها.

ووجه عبدالرحمن رسالة لرجال المرور للرأفة بحال مندوبي الشحن، إذا كانت هناك بعض المخالفات البسيطة التي يمكن تجاوزها، ومعاونتهم في حال تعرضهم لحادث أو سرقة.

مهندس برمجيات

«عمار عبداللاه» مهندس برمجيات لم ينصفه سوق العمل، يرى أن الوضع مزرٍ ولا يزداد إلا تردّيًا، فقرر الاعتماد على نفسه والانضمام لقطاع مقدمي الخدمات «الدليفري».

ويقول «عمار»: «تحسين الوضع بالنسبة لشاب في العشرينيات من عمره مُجازفة، بدأ الموضوع معي منذ الصغر حيث كنت أهوى ركوب الدرجة والموتوسيكل، وعندما ضاق بي سوق العمل، قررت استغلال هوايتي وتطويعها لمساعدة والدي في مسؤولية البيت، ولم أتردد في الالتحاق بمهنة توصيل الطلبات رغم معارضة الأهل والمعارف، وبدأت العمل منذ عام ٢٠١٩ وحتى الآن وخلال تلك الفترة طرأ على هذه المهنة العديد من التغيرات، فقد شهدت تناميًا وتزايد الإقبال عليها بشكل كبير، بسبب اعتماد عدد كبير من المطاعم والمحال التجارية عليها، بجانب المنصات الإلكترونية، مضيفًا: طبيعة الشغل تحتم علينا التعامل مع مختلف الطبقات، منهم من يحترم تلك المهنة ومنهم من ينظر إليها بدونية، والدخل اليومى يتراوح بين 100 لـ300 جنيه حسب عدد الساعات والمواسم، وقد ساعدتنى هذه المهنة على الحصول على خبرة واسعة لذلك مستمر بها حتى هذه اللحظة، وبدأت في تأسيس مشروعي الخاص، وأتمنى أن يُغطي الجمهورية».

وعن مخاطر المهنة قال عمار: «أحيانًا يكون الأوردر في منطقة مقطوعة ويطلع عليّ بلطجية، وممكن يكون على طريق سريع ويحصل عطل في الموتوسيكل، أو شخص يطلب الأوردر وأذهب لتوصيله وأفاجأ بأنه وضعني في الـ«Blacklist»، وأخيرًا أتمنى أن يُغيّر المجتمع من نظرته السلبية لهذه المهنة، وأن توضع تشريعات تنظم عملنا، مع وجود تأمين لمد الحماية الاجتماعية للعاملين بها.

مدرس تربية رياضية.. دليفري بالـ«العجلة»

يتغلب «عبدالعزيز درويش» مدرس التربية الرياضية على ظروف الحياة بابتسامة راضية، فهو لا يملك من حطام الدنيا سوى دراجته الهوائية التي يستقلها في المساء ليبدأ بها رحلة عمل جديدة، وهي توصيل الطلبات إلى المنازل.

عبدالعزيز درويش

يقول «عبدالعزيز»: «تخرجت في كلية التربية الرياضية عام 2012، وعملت في مهنة التدريس، ولكنها لا تكفي لتلبية متطلبات الحياة الأساسية، فقررت زيادة دخلى بالعمل المسائي، وسلكت طريق توصيل الطلبات بدراجتي الخاصة والتي أجوب بها شوارع الإسكندرية، ويتراوح ثمن التوصيلة بـين 25 و30 جنيهًا.

وعن صعوبة المهنة ومشقة العمل قال: «تعودت طيلة حياتي على الكفاح والشقاء، لا يعنيني تعب ومرارة الحياة، بقدر ما يعنيني الاعتماد على نفسي والرزق الحلال، تحمّلت المسؤولية منذ الصغر، والدي مدرس فيزياء ووالدتى مدرسة لغة إنجليزية، وأخي مهندس كهرباء، وأختي خريجة سياحة وفنادق، جميعهم ذوو مكانة مرموقة، ولم يقفوا أمام قراري، فعقولهم متفتحة ومؤمنين بأن العمل – مهما كان – لا ينتقص من صاحبه».

وطالب الشاب «محمد جمعة» والذي يعمل بإحدى شركات التوصيل، بأن يُعترف بتلك المهنة وأن تكون رسمية، تحت مظلة قانون يحمي العاملين فيها من أصحاب ب الشركات والمحلات، مع وجود نقابة تدافع عن حقوق عمالها، وأن تُدرج ضمن جدول الضرائب لأن الطيار أو الدليفري شخص مسلوب الحقوق، فنحن فئة مهمشة ولا نتمتع بأي ضمانات اجتماعية أو عقود رسمية تنظّم عملنا، فحن دائمًا معرضون لخطر عصابات الطرق، وخطر الفصل من العمل في أية لحظة بسبب شكاوي العملاء، أو لأي سبب آخر، إلى جانب مخاطر الطريق التى نتعرّض لها ولا ندري في  أي مرة ستكون النهاية».

«لما تخف تعالى».. كانت تلك هي الكلمات التى قالها صاحب العمل لـ«محمد» بعد تعرضه لحادث سير، فما كان منه إلا أن أرسل شخصًا إليّ ليأخذ مني ثمن الأوردر، ويقوم بمهامي، وتنصّل مني تمامًا.

والتقط أطراف الحديث «حسين محمد» ابن اسيوط صاحب الـ25 عامًا قائلًا: «بعد أن انتهيت من الجيش لم أجد أية فرصة عمل فساعدني والدي واشترى لي «موتوسيكل» والتحقت بشركة توصيل طلبات وكان يومي بعد البنزين والرصيد 80 جنيهًا، تعرّضت لإصابات خطيرة وعملت في مطعم للمشويات براتب 1500 في الشهر، ولي نسبة على الأوردر، وكنت أجلس طوال اليوم أمام المطعم في عز الحر وغير مسموح لي بالتواجد بالداخل، فقرر العودة للعمل في التوصيل، فوالدي مدرس بالمعاش وأنا الوحيد على 4 بنات، عملت منذ أن كان سني 16 عامًا لمساندة والدي في تجهيز إخوتي البنات».

إصابة حسين جمعة جراء عمله بتوصيل الطلبات

وتذكر «حسين» أحد المواقف التي تُعد واحدة من مساوئ المهنة قائلًا: «ذات مرة اشتريت طلبات كانت عبارة عن خضراوات نحو 10 كيلو والعميلة في الدور الـ11 ويوجد عطل في الأسانسير، فأجبرتني على الطلوع على الأقدام قائلة: «مجبر تطلع غصب عنك»، هذه النوعية من المعاملة زادت من استيائي لما وصل إليه حال المهنة».

لم يختلف حال «محمد هاني» الطالب بكلية التجارة كثيرًا عن حال «حسين» وغيره ممن يعملون في هذه المهنة قائلًا: «بدأت كطيار، كنت أواصل العمل لما يزيد على 16 ساعة اجتهدت وكافحت إلى أن وصلت لمشرف بمنطقه المقطم والمعادي، الأوردر توصيلته 29 جنيهًا، ولا يخلو يومي بدون ما ينغّصه من مخالفات المرور والجروح الخطيرة، وتهالك «الموتوسيكل» الذي اشتريته بعد عناء، أطمح أن تقُدر تلك المهنة فى مصر، وتحظى باهتمام السلطات لسن تشريعات تحميها وتحفظ حقوق أصحابها.

إصابات عامل الدليفري محمد هاني

كل هؤلاء وأكثر مهما اختلفت قصصهم فستظل المعاناة قائمة، فئات في مرمى المخاطر تُرى بعين التهميش، لا تجد سبيلًا لنيل حقوقها، الضمانات الاجتماعية والتأمينية غائبة، ليبقى السؤال: «متى سينتهى مسلسل اغتيال حقوق عمال الدليفري؟».