فى ذكرى ميلاده الـ113 .. صفحات مضيئة فى تاريخ الزعيم خالد الذكر فؤاد سراج الدين
أعلن عودة الوفد للحياة السياسية فى الذكرى الخمسين لرحيل سعد زغلول
خرج من المعتقل عام 1981 لمقابلة «مبارك» فى القصر الجمهورى
صاحب «عيد الشرطة» وسَنّ قوانين تاريخية ما زالت قائمة حتى الآن
تحل اليوم الذكرى الـ113 لميلاد الزعيم خالد الذكر فؤاد باشا سراج الدين، المولود فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ يوم 2 نوفمبر 1911.
لا أبالغ أبدا إذا قلت إن فؤاد باشا سراج الدين هو واحد من ألمع السياسيين فى القرن العشرين، تاريخه السياسى ناصع البياض، وهو مثل حى للمبادئ والقيم العليا، زعيم الوفد الذى أعاد الوفد للحياة بعد 25 عاما من الجمود، لسنا بصدد عرض التاريخ السياسى المشرف لهذا الزعيم ولكننا نتوقف فقط عند محطات سياسية وإنسانية فى حياته الممتدة، كان بحق مثلا يحتذى به فى عالم السياسة والكفاح والوقوف ضد الطغيان وكان بحق مؤسسا للديمقراطية والليبرالية فى حزب الوفد الجديد.

المناصب التى تقلدها زعيم الوفد الراحل
بدأ حياته العملية وكيلاً للنائب العام من عام 1930 حتى 1935، انضم للهيئة الوفدية عام 1935، وسكرتيراً عاماً للوفد عام 1949.
وزيراً للزراعة فى 31 مارس 1942، زعيماً للمعارضة الوفدية عام 1946، وزيراً للداخلية 12 يناير 1950.
عودة حزب الوفد على يديه عام 1978، ورئاسة الوفد فى عصر ملىء بالصخب السياسى حتى وفاته يوم 9 أغسطس 2000.
صاحب عيد الشرطة بطولة تاريخية لفؤاد باشا فى 25 يناير 1952، حاصرت القوات الإنجليزية مبنى محافظة الإسماعيلية وأمر فؤاد باشا رجال الشرطة بالتصدى للقوات الإنجليزية بكل بسالة، واستطاع رجال الشرطة الصمود والتصدى للقوات الإنجليزية بمنتهى البطولة والشجاعة ليكون هذا اليوم عيداً للشرطة ليدخل فؤاد باشا سراج الدين التاريخ من أوسع أبوابه ويصبح رمزاً عبر التاريخ للشرطة المصرية.
دوره فى إلغاء معاهد 1936
كان فؤاد باشا سراج الدين هو الذراع اليمنى لزعيم الوفد خالد الذكر مصطفى النحاس وكان له دور كبير للغاية مع النحاس باشا فى إلغاء معاهدة 1936، بل ورفع السلاح ضد الإنجليز بعد ذلك، موقف سياسى لن تنساه مصر عبر التاريخ لفؤاد باشا.

معارضته لجمال عبدالناصر
عقب أيام من قيام ثورة يوليو كان اللقاء المنفرد بين جمال عبدالناصر وفؤاد باشا سراج الدين، حدثت معارضة شديدة من فؤاد باشا لبعض قرارات جمال عبدالناصر فيما يخص الإصلاح الزراعى ونتيجة لموقف فؤاد باشا المتشدد لم يستطع عبدالناصر تحمل الرجل صاحب القيم والمبادئ وأمر باعتقال الباشا بل ومحاكمته فيما بعد وحكم عليه بـ15 سنة سجنا لكنه خرج بعد عامين.
اعتقال الباشا صاحب المبادئ
تعرض فؤاد باشا سراج الدين للاعتقال أكثر من مرة، اعتقل فى السجن الحربى لمدة شهر فى يناير 1953، حُكم عليه بالسجن عام 1954 وأُفرج عنه عام 1956، اعتُقل فى سجن القناطر فى أكتوبر 1961 لمدة 15 شهرا، اعتُقل فى نوفمبر 1965 لمدة أسبوع، وأخيرا اعتقل فى 5 سبتمبر 1981 فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات وأفرج عنه الرئيس الراحل حسنى مبارك فى 20 نوفمبر 1981.
المبادئ فوق كل شىء عند فؤاد باشا
فؤاد باشا سراج الدين كان يستطيع أن يحصل على كافة المزايا والمناصب بعد ثورة 1952، لكن مبادئه السياسية جعلته لا يتهاون أبدا، وتعرض للعزل السياسى والاعتقال على مدى أكثر من ربع قرن متواصلة، لكنه أبدا لم يتنازل عن مبادئه السياسية، رفض أن يعيش فى أوروبا ليبقى فى مصر رهن الاعتقال والتنكيل وتشويه تاريخه السياسى ناصع البياض.

قنبلة سياسية فى 23 أغسطس 1977
فى يوم الثلاثاء وداخل مبنى نقابة المحامين فجر فؤاد باشا سراج الدين مفاجأة سياسية كبرى حينما أعلن أنه ينتوى عودة حزب الوفد للحياة السياسية من جديد بعد فترة جمود استمرت 25 عاما، وذلك بعد قرار الرئيس السادات بعودة الأحزاب السياسية يوم 11 نوفمبر 1976، حينها واجه سراج الدين مضايقات من الدولة ومن الرئيس السادات شخصيا الذى لم يكن يرغب فى عودة الوفد للحياة السياسية.
ولكن صمود الباشا وتصميمه لعدة سنوات والقضايا المتعددة لمنع عودة الحزب لم يكن يُثنى فؤاد باشا عن عودة الحزب من جديد وعاد الحزب بقوة شديدة فى مارس 1984، فى عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك.
جريدة الوفد والصعود للقمة على أيدى الباشا
مع مطلع عام 1984، خطّط فؤاد باشا لتأسيس جريدة الوفد لتكون لسان حال مصر كلها وليس الحزب فقط، وتواصل فى تلك الفترة مع الكاتب الكبير الراحل مصطفى أمين لترشيح صحفى موهوب لتولى رئاسة تحرير الجريدة الوليدة، ورشح مصطفى أمين الكاتب الصحفى الراحل مصطفى شردى ليكون أول رئيس تحرير للجريدة.

واقتنع فؤاد باشا باختيار مصطفى أمين لأن مصطفى أمين وفدى فى الأصل وتربى فى منزل سعد باشا زغلول.
الاجتماع الأول بين الباشا ومصطفى شردى لوضع السياسة التحريرية للجريدة فى البداية قال له شردى: ماذا عن مساحة تغطية أنشطة الحزب بالجريدة، فوجئ بالباشا يقول لا تزيد على 2٪، جريدة الوفد ليست جريدة للحزب فقط بل جريدة لمصر كلها، مهمتها التعبير عن المواطن المصرى ومحاربة الفساد فى كل مكان بل معارضة كافة رجال الدولة.
وتكونت أسرة التحرير فى البداية من الأساتذة الراحلين جمال بدوى وسعيد عبدالخالق وعباس الطرابيلى، لست أبالغ إذا قلت إن جريدة الوفد تصدرت المشهد بين جميع صحف مصر ووصل توزيعها لمليون نسخة، وخاضت معارك كبرى لا حصر لها مع كبار رجال الدولة مثل رفعت المحجوب وزكى بدر وغيرهما، وحملت لواء المعارضة الشريفة فى صالح الوطن وليس فى صالح شخص، هذا بفضل الزعيم فؤاد سراج الدين.
كان صحفيو الوفد عبر التاريخ يستمدون قوتهم من فؤاد باشا ويعارضون بكل جرأة أى مسئول فى البلد.
تقدير زعماء مصر
يخطئ من يتصور أن فؤاد سراج الدين كان يكره زعماء مصر، عبدالناصر والسادات ومبارك، بل كان يختلف معهم سياسيا ولم يكن هناك أى خلاف شخصى بينهم، ومعلوماتى المؤكدة بحكم عملى فى الصحيفة منذ أكثر من 30 عاماً أن فؤاد باشا رفض نشر أى شىء فى الصحيفة يسىء للزعماء بل حمل لواء المعارضة الشريفة.
هناك موقف رائع للباشا فى النصف الثانى من التسعينات، اتصل الرئيس الراحل مبارك بفؤاد باشا ليبدى بعض الملاحظات حول تحقيق صحفى نُشر بالجريدة، اقتنع فؤاد باشا أن الرئيس لديه بعض الحق وأمر المسئولين فى قسم التحقيقات بتصحيح بعض المعلومات الواردة فى التحقيق، فعلا أخلاق فرسان.

موقف للباشا لا يعلمه أحد
فى أوائل السبعينيات كان فؤاد باشا سراج الدين متواجدا بالإسكندرية لتقديم واجب عزاء، وبالصدفة البحتة كان بجانبه المستشار محمد بكر شافع رئيس محكمة جنايات الإسكندرية وهو زوج خالتى، ولم يكن منتمياً لحزب الوفد، روى المستشار محمد بكر عندما تحدث لفؤاد باشا عقب انتهاء مراسم العزاء أن فوجئ بشخصية سياسية نادرة، منتهى الذكاء والحكمة والتواضع والهدوء والتفكير السليم المنضبط بل إنه لم يتكلم عن أحد بسوء، وتحدث عن آماله السياسية فى أن يعود بحزب الوفد من جديد، منذ هذا التاريخ أصبح المستشار بكر معتزا كثيرا بالوفد وزعامته، بل انه هنأنى بشدة عندما التحقت بالعمل فى صحيفة الوفد قال لى: أنا أفخر أنك تعمل تحت لواء فؤاد باشا سراج الدين.
الباشا يتقدم الصفوف فى عزاء العندليب
فى يوم 2 أبريل 1977، أقيم سرادق عزاء للعندليب الراحل عبدالحليم حافظ وهو مطرب ثورة يوليو وفوجئ الحاضرون بقدوم السياسى الكبير فؤاد باشا سراج الدين لسرادق العزاء مرتدياً حلة سوداء وجلس بجواره الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، وبدا على وجه فؤاد باشا الحزن الشديد جداً لرحيل عبدالحليم حافظ أسطورة الغناء فى مصر والعالم العربى، فكان بحق زعيماً يقدس الفن الأصيل وكل من يعمل لصالح مصر.
قوانين الباشا التاريخية
كان لفؤاد باشا العديد من الإنجازات التاريخية فى سَنّ القوانين، نجح فى تأميم البنك الإنجليزى وتحويله لبنك مركزى، نقل أرصدة من الذهب من الولايات المتحدة إلى مصر، صاحب فكرة مجانية التعليم، فرض الضرائب التصاعدية على كبار الملاك، إصدار قانون لتنظيم نقابات العمال، قانون الضمان الاجتماعى، وقانون النقابات العمالية.

النبوى إسماعيل وتقدير خاص لفؤاد باشا
حينما أمر الرئيس الراحل أنور السادات باعتقال فؤاد باشا فى 5 سبتمبر 1981 مع مجموعة كبيرة من السياسيين أمر اللواء الراحل زكى بدر بمعاملة خاصة جدا لفؤاد باشا، حيث قال لضباطه بالحرف الواحد «لا تنسوا أن فؤاد باشا كان وزير داخلية تاريخيا وكنت أنا مجرد ضابط صغير عليكم أن تعوا هذا جدا فؤاد باشا وزيرى قبل كل شىء وهو رجل سياسى من الطراز الرفيع جداً».
علاقته بالرئيس الراحل مبارك
فى يوم الخميس 20 نوفمبر 1981، أصدر الرئيس الراحل حسنى بارك قرارا بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين فى سبتمبر 1981، وكان على رأسهم فؤاد باشا وتوجهوا من المعتقل إلى قصر الرئاسة لمقابلة الرئيس مبارك، الذى كان يحمل تقديرا خاصا لشخص زعيم الوفد. كان اللقاء بينهما حميميا للغاية وشكر الرئيس الراحل على موقفه.
تعددت اللقاءات بينهما بشكل مستمر رغم المعارضة الشديدة لحزب الوفد لكن مبارك كان يجد فى شخص فؤاد سراج الدين زعامة تاريخية جديرة بكل الاحترام والتقدير.
كان فؤاد باشا بكل حق يحمل صفة المعارض الوطنى الشريف وليس سراً أنه شعر بحزن شديد عقب وفاة الزعيمين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات.