رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

فاطمة اليوسف، أو كما عرفناها لاحقا باسم روز اليوسف، كانت أكثر من مجرد اسم في تاريخ مصر الفني والثقافي والسياسي، كانت رمزا للمرأة المصرية الحرة التي تحدت القيود منذ نعومة أظافرها، ودفعت نفسها إلى الأمام رغم كل الصعاب. 

ولدت فاطمة في بيروت عام 1898، يتيمة الأم، وفي غياب الأب الذي اضطر السفر، وجدت نفسها في رعاية أسرة مسيحية أحبتها ودللتها باسم روز، بعيدا عن حقيقة نسبها وهويتها المسلمة. 

تلك البداية الصعبة لم تكسر روحها، بل صنعت منها فتاة عنيدة، مصممة على أن تصنع اسمها بنفسها، على أرض مصر التي أصبحت فيما بعد مسرحا لحياتها وإبداعها.

عندما وصلت إلى الإسكندرية، خططت لمستقبلها بخطوة جريئة، فهوت من السفينة بعيدا عن من يرافقها، وبدأت حياتها من الصفر، لتقابل الفنان الكبير عزيز عيد، الذي رأى فيها موهبة لم تكتشف بعد، فأخذ بيدها إلى عالم المسرح. 

من دور صغير في البداية، إلى أن أدهشت الجميع بأدائها دور سيدة عجوز في عرض أوبريت «العشرة الطيبة»، لتثبت منذ ذلك الحين أنها ليست مجرد فتاة شاردة تتطلع من بعيد، بل فنانة تحمل في قلبها شغف المسرح ونور الإبداع.

كانت روز اليوسف مثالا للمرأة التي لم تكتف بما توفره لها الظروف، بل صنعت فرصها بجرأة وذكاء، على المسرح، ارتقت من كومبارس إلى بطلة فرقة رمسيس مع يوسف وهبي، وحققت نجاحا باهرا في أدوار مثل «مارجريت جوتيه» في «غادة الكاميليا»، ولقبها الجمهور ب«برنار الشرق»، تقديرا لموهبتها الاستثنائية. 

لكنها لم تكتف بالتمثيل، بل اتجهت للصحافة، وأسست عام 1925 مجلتها «روز اليوسف»، لتكون منصة فنية وأدبية وسياسية، صارت فيما بعد ملاذا للكلمة الحرة ولصوت الفكر المستقل، ومنبرا للصحافة الجريئة التي واجهت الرقابة والضغوط السياسية، وصمدت رغم كل الصعاب، لتصبح المجلة جسرا بين الأدب والسياسة، وشاهدا على نضالها المستمر من أجل حرية التعبير.

واجهت روز اليوسف مصاعب شتى، من صدامات مع حزب الوفد إلى مصادرة أعداد مجلتها واعتقالها، ومع ذلك لم تتراجع، بل أصدرت مطبوعات أخرى مثل «الصرخة» و«صباح الخير» و«مصر الحرة»، لتظل حاضرة في المشهد الثقافي والسياسي. 

كانت دائما تدافع عن حقوق المرأة، وتسجل أدوارها الوطنية، حتى لو لم تكن في الصف الأول خلال ثورة 1919، فقد وثقت لاحقا مساهمات النساء خلال فترة النفي، لتبرز دورهن المهم في الحركة الوطنية المصرية.

روز اليوسف لم تكن مجرد فنانة أو صحفية، بل كانت سيدة المهام الصعبة، التي واجهت الفقر والاضطهاد الاجتماعي، وأثبتت أن المرأة قادرة على الوصول إلى قمم الإبداع والثقافة والسياسة، إذا ما امتلكت الجرأة والإصرار. 

لم يكن الطريق أمامها سهلا، لكنها كانت تعرف أن صوتها هو سلاحها، وأن الكلمة الحرة قد تكون أقوى من أي تهديد، ومن خلال مجلتها، ساهمت في صناعة جيل جديد من الصحفيين والكتاب، ممن تعلموا منها الصدق في التعبير والمواجهة بشجاعة، وأصبح اسمها مرادفا للصحافة المستقلة والمبدعة في مصر والعالم العربي.

تزوجت من محمد عبد القدوس وأنجبت الأديب إحسان عبد القدوس، ثم ارتبطت بالمسرحي زكي طليمات، وشهدت حياتها الشخصية معارك لا تقل صعوبة عن مسيرتها المهنية، لكنها لم تسمح لأي شيء أن يوقف شغفها. 

كانت قارئة نهمة، رغم أن خطها كان أشبه بخط الطفل، لكنها كانت تتذوق الأدب والشعر بروح نادرة، واعتبرت أن الموت قد ينتهي بجسد الإنسان، لكن الإرث الحقيقي يبقى حيا من خلال الإنجازات والذكريات.

روز اليوسف تركت بصمة لا تمحى في المسرح والصحافة والأدب، لأنها لم تكن تخشى قول الحق، وكانت تعرف أن كل تحد تواجهه هو فرصة لتثبت نفسها، وأن الحرية الحقيقية تكمن في القدرة على التعبير دون خوف. 

هي من علمتنا أن الشجاعة لا تعني غياب الخوف، بل تعني مواجهة الصعاب بكل عزم وإرادة، وأن المرأة تستطيع أن تكون قوة لا يستهان بها، إذا ما امتلكت الوعي والإيمان بنفسها، هكذا، ستظل روز اليوسف حية في ذاكرة مصر، كرمز للحرية، وللإبداع، وللكلمة التي تهز القلوب وتلهم الأجيال.