رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما تنظر إلى أحدهم ويملأ قلبك الشك ويدخل إلى نفسك الخوف والنفور، وتتملك منك إحدى الصفات التى تندرج تحت بند الريبة، تهمس لذاتك سرًا أو لصاحبك جهرًا بأن هذا المرء «شمَّام»، وكأن روح أحد المرشدين الذين وكِّل لهم مراقبة «الشمَّامين» والقبض عليهم قد حضرت وتلبستك دون أن تدرى.. فهل اختلف «شمًّامون» الأمس عن «شمَّامين» اليوم؟.. إليك الإجابة.

لاحظ الملك فردريك الأكبر «24 يناير 1712–17 أغسطس 1786» تزايد مقادير القهوة التى يحتسيها رعاياه، ولاحظ معها كم الأموال الطائلة التى يجنيها التجار من وراء ذلك، فقام باحتكار استيراد البن والإشراف على طحنه، وقام بتخصيص مجموعة أطلق عليهم اسم «الشمَّامين» وكانت وظيفتهم تُشمَّم روائح البن ومراقبة المطاحن غير المرخصة، وكان يتم منح «الشمَّامين» نصف الغرامات التى يحكم بها على المخالفين، هذا هو حال «الشمَّامين» فى ألمانيا من زمن بعيد وهذه الطائفة ليست المقصودة هنا، فقط محطة تاريخية يجب الوقوف عندها للتعرف على لقب «الشمَّامين» الأوائل بمناسبة إلغاء ألمانيا تجريم «الحشيش» واحتفالات أصحاب «المزاج» فى شوارع برلين!

فى مصر الأمر مختلف، فبعد دخول الهيروين البلاد 1916 وحماية تجار «الكيف» الأجانب تحت مظلة الامتيازات الأجنبية، اختلفت صفات «الشمَّامين» وتحولت من وظيفة لضبط مطاحن البن غير المرخصة كما حدث فى ألمانيا منذ قرون إلى لقب يسبق آلاف المشردين الذين يتعاطون هذا السم الأبيض، وأصبح «الشمَّام» والبؤر التى تأويه خطرًا يجب محاربته.

وفى مارس 1930 أسند إلى الضابط حسين أفندى جلال الإشراف على العمل فى نقطة بوليس خاصة بحى «القللي» و«الزهار»، تم ابتكارها خصيصًا لمواجهة بؤر ترويج وتوزيع الكوكايين والهيروين والمورفين، بعد أن أصبح الحى مأوى لكبار اللصوص والأشرار وآلاف المتشردين والعاطلين من عشاق السم الأبيض وضحاياه.

وبدأ حسين أفندى حملته على تلك البؤر بمساعدة عدد من رجال البوليس السرى وبعض سكان الحى المتطوعين فى المساعدة للقبض على هؤلاء «الشمَّامين»، وكان لكل رجلين من رجال البوليس شارع يقوم بمراقبته، ويتم القبض على كل شخص يجدانه متجولًا من غير عمل أو جالسًا بجانب الطريق بشكل يدعو إلى الشبهة سواء كان «شمَّام» أو تاجر مخدرات، ثم يتم تحرير محاضر تشرد «للشمَّامين» الذين لم تضبط معهم مواد مخدرة!.

يقول حضرة الضابط حسين أفندى جلال إن كثيرًا من هؤلاء المتشردين «الشمَّامين» بعد أن يطلق سراحهم يعودون إلى سابق عهدهم فيتم القبض عليهم مرة أخرى، نلاحظ هنا أن التشرد والبطالة من خصال «الشمَّامين»، فهل انتهت واكتملت الصورة عند ذلك؟ الإجابة لا، ونذهب لاستكمال بقية الأوصاف.

كان فى حى «الزهار» سوق لبيع الملابس والأحذية القديمة يعرف بسوق العصر، وهذا السوق هو أحسن مكان يجتمع فيه «الشمَّامون»، فبعد أن ينشل الشمَّام ما تصل إليه يداه من ملابس أو متاع أو طعام طوال النهار يذهب إلى سوق العصر لبيعه هناك، فيقبض ثمن المسروقات باليمين ليسلمها إلى تاجر المخدرات أو أحد أعوانه بالشمال للحصول على «التذكرة »، ثم يفرمسرعًا إلى مكان مقطوع ويبدأ عملية الشمَّ، وكثيرًا ما تصل الجرأة ببعضهم فيشَّم وسط السوق علنًا!!.، ووصل الإجرام بهؤلاء «الشمَّامين» عندما يرون طفلة فى الطريق يسرقون قرطها أو خلخالها، ولا تمرعربة أو سيارة من حى «القللى أو الزهار» إلا ويسرق هؤلاء المجرمون شيئًا منها، أضف هنا السطو والسرقة بالإكراه إلى خصال «الشمَّامين» الذين ذكرناها من قبل.

الطريف فى حدوتة « شمَّامين» الأمس، أن مرشدًا ألقى القبض على أحدهم، واعترف هذا الشمام على التاجر الذى يشترى منه وأرشد عنه، ثم أعطاه الضابط نقودًا وجعله يذهب فى حراسة أحد المرشدين ليشترى هيروينًا من التاجر الذى أرشد عنه للتأكد من صحة كلامه، ففعل الشمَّام ذلك، ولكنه بدلًا من أن يعود بالهيروين إلى نقطة البوليس هرب من المرشد وأخذ يشم الهيروين وهو يجرى، فتبعه المرشد وقبض عليه، فقام الشمام بعضه عضة كان من آثارها أن تسمم ذراع المرشد!!، هنا أضف الخيانة إلى صفات «الشمَّامين» السابقة.

مع مرور الأيام، تنوعت فئات «الشمَّامين» وتبدلت صورهم واختلفت هيئاتهم وتغيرت أنماط حياتهم.. فقط التفت يمينًا أو يسارًا، انظر حولك لتجد أحدهم فى ثوبه الجديد، ليبقى الموروث الثقافى والمخزون التاريخى اتجاه هؤلاء المشردين والعاطلين والأشرار البوصلة التى تجعلك تحكم ثم تنطق همسًا أو صمتًا بأن هذا يتبع طائفة «الشمَّامين» رغم علو مكانته أو تدنيها.

والخلاصة.. من يعتبر «الهلس» رسالة، ومن يتخذ من آلام الناس وأوجاعهم تجارة، من يسرق قوت يومهم ويضع يده على «شقا» عمرهم، ومن يخون الأمانة، من يتوهم أن الأوطان مغنم، ومن يعتقد أن تغييب الوعى حرفة وأن التضليل صنعة، يمكنك أن تهمس سرًا أو جهرًا بأنه يتبع طائفة «الشمَّامين».

في النهاية .. تعددت الخصال وتنوعت الثياب والشمَّام واحد!

[email protected]