عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لوجه الله

«استقالة رئيس وزراء أيرلندا».. كان مجرد عنوان لخبر عادى تناقلته الصحف.. وكان من الممكن أن يمر كغيره.. لكنى بعقلية مواطن من العالم الثالث «الترسو».. بكل انتماءاته الأفريقية والعربية والمصرية.. تساءلت ما الذى يدفع مثل هذا الرجل للتنازل طواعية عن أعلى درجات السلم الوظيفي.. تاركا خلفه راتبا ضخما وامتيازات لا تعد ولا تحصى «ماظهر منها وما بطن»..  شهرة ومكانة و»هيلمان» و»يغمة» لا أول لها ولا آخر.. هل أجبره أحد.. كلا وحاشا.. هل ارتكب جرائم فى حق شعبه.. أو عجز عن إدارة اقتصاد وطنه وألقى بالملايين تحت خط الفقر، وبات إصلاح ما أفسده ذلك الفاشل يحتاج لعشرات السنين.. لا.. وقبل الاسترسال فى هذا النوع من الأسئلة.. جاءت الإجابة  الصادمة فى متن الخبر.. فالسيد ليو فارادكار قال «عندما توليت المنصب كنت أدرك أن جزءا من القيادة هو إدراك متى يحين الوقت للرحيل»..! 

وبينما كنت ألعن هذا «الجحود» قائلا.. بهذه البساطة قرر فارادكار رفس النعمة.. وترك السلطة فجأة.. ليصبح مواطنا عاديا فى قاع السلم لا يأبه له!.. تداعت إلى ذهنى عشرات الأخبار المماثلة.. استقالة وزير الدفاع البريطانى بن والاس.. استقالة وزير النقل فى سنغافورة إس إيسواران، بعد أن وُجهت له تهم فساد.. استقالة وزير الصحة الفرنسى أوريليان روسو.. استقالة وزير الهجرة البريطانى روبرت جينريك.. وامتدت التداعى إلى الرئيس الفيتنامى فو فان ثونغ واستقالته بعد ثبوت انتهاكه لأنظمة الدولة تاركا منصبه طواعية.. ورئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن التى تقرر الاستقالة بحجة أنها لم تعد تمتلك الطاقة لتولى المسؤولية أربع سنوات أخرى.

ومن الاستقالة إلى الإقالة.. فالرئيسة البرازيلية ديلما روسيف قبلت بالعزل بعد ثبوت تلاعبها بالحسابات العامة.. والرئيس الفنزويلى كارلوس اندرس بيريز بتهم الإثراء غير المشروع.. والاكوادورى عبد الله بوكرم بتهمة الاختلاس.. وإقالة الرئيس لوسيو غوتيريز لتعيينه اقرباء له فى المحكمة العليا.. وفى ليتوانيا أقيل الرئيس رولانداس باكساس لمنحة الجنسية لرجل أعمال أجنبى فى شبهة محاباة.

أما فى كوكب اليابان.. فللمسئولية والمناصب الرسمية مفهوم أكبر منه فى غيرها من الدول.. فالمسئول فى اليابان يعتبر نفسه «مسئولا بالفعل».. والأغرب أنه يعتبر أن عليه عمل يجب القيام به بنجاح!.. وأن وجوده لابد أن ينعكس إيجابيا على المنصب.. وبالتالى فكرامته كإنسان تأبى عليه الفشل.. وشعوره بالمسئولية يأبى عليه البقاء فى مكتبه بعد أى إخفاق.. فتأتى الأخبار من اليابان على شاكلة.. انتحار وزير الزراعة توشيكاتسو ماتسوكا.. انتحار مسئول كبير فى اللجنة الأوليمبية.. أما ماكوتو يامادا وهو مدير لأحد الفنادق فى محافظة فوكوكا.. فقرر معاقبة نفسه لعدم حفاظه على البيئة وصحة رواد فندقه.. وارتفاع نسبة بكتيريا الليجيونيلا  فى مياه الينابيع الساخنة.. تاركا خلفه رسالة يوضح فيها أن انتحاره أقل اعتذار عن ذلك الفشل والتقصير.

والواقع أن مفهوم هؤلاء للمسئولية.. يعود إلى ميثاق المجتمعات البشرية من قبل التاريخ.. والقاضى بتفويض بعض الأفراد للقيام بمهام محددة لخدمة المجتمع والرقى به.. فوجود فرد ما فى موقع ما يتعلق مباشرة بنجاحه فى المهمة المكلف بها وليس شخصه أو «جمال عيونه».. وبالتالى فعليه الرحيل فورا بعد إنجاز المهمة، أو عند ظهور بوادر للفشل.. وعلى العكس، فى المجتمعات المؤمنة بطبيعتها.. لا يرحل المسئولون مهما فشلوا وأفسدوا.. فهم مصطفون وليسوا مسئولون..  ولأنهم مؤمنون بطبعهم لا يكفرون بنعمة العز والجاه.. أو يخلعوا قميصا ألبسهم الله إياه.. «فالكفر والإيمان لايجتمعان».. وعندهم الموقع للشخص وليس المهمة.. لذاعلى الجميع أن يسلم بالقدر.. ويدفع الثمن راضيا بقضاء الله «ولا حول ولا قوة إلا بالله».