رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 
لماذا يشعر الناس فى عمومهم بالغربة رغم زحمة الحياة؟ وهل هى غربة أم اغتراب عن الواقع وفقدان تدريجى للغة التواصل بين الإنسان ومجتمعه؟ أتصور أن هناك مسئولية مشتركة عن الحال الذى وصل إليه غالبية المصريين من شعورهم بالغربة والاغتراب معا. 
الغربة فى تعريفات علم الاجتماع غربة مكانية ونفسية، أما الاغتراب، فيمكن أن يشعر به الواحد منا ويغترب عن نفسه، وعن مجتمعه وزمنه، وكل هذا وهو يعيش وسط ركام من الأحياء. تاريخيا لم تكن العلاقة بين المصريين والسلطة على درجة من التفاعل الإيجابى الذى يشعر معه الإنسان بأنه شريك فى صنع الحياة وليس أجيرا أو حارسا على بوابة المتولى.. من الأزمنة المصرية القديمة والملوك آلهة على الأرض، يخلدون أنفسهم بالسلطات المطلقة، وعند موتهم ينتقلون من قصور الدنيا إلى قصور الآخره التى بنوها قبل موتهم فى صورة معابد ومدافن هى أكبر شاهد على أزمنة مضت حتى اليوم، وربما لم يعثر الأثريون على منزل أو قبر لمواطن مصرى بسيط نعرف منه كيف عاش هؤلاء الناس، وهل قتلتهم الغربة فتلاشوا فى فضاءات الزمن ولم يتركوا أثرًا؟
أما مسئولية الناس عن ذلك الشعور الكبير بالغربة والاغتراب فيكمن فى تلك النوستالجيا (الحنين إلى الماضى) الغريبة التى تجعل المعذبين اليوم يحلمون بالأمس القريب والبعيد، ويعتبرون ما مضى من عصور هى عصور الحب والحلم والأمان.. الحقيقة أن التاريخ الطويل للمصريين يبدو أنه أفقد المعاصرين تحديدًا القدرة على التأمل الصحيح للماضى سواء القريب أو البعيد.. التأمل الصحيح هذا من المفترض أن نرى من خلف نظارته المكبرة أن هذا البلد لم يهنأ يوما بنماء متصل، ولم ينعم فيه الناس بحرية حقيقية ترفع من أقدارهم وتعينهم على إبداع حياة جديدة.. حتى الفترة التى نسميها بالليبرالية فى تاريخ مصر (نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين) هى نفسها فترة الفقر المدقع الذى يضرب جموع المصريين، وهى نفسها فترة الأوبئة الفتاكة ومشروع الحفاة. الحكاية أن طواحين الغربة والاغتراب قديمة ولكن قسوتها فى عصرنا الحديث وأيامنا الجارية الآن أنها تعصف بنا وتقطف رؤوسنا، سواء كانت رؤوس حكمة أو جهالة.. لقد أصبحنا جميعا كما قال يوما الأديب "أحمد خالد توفيق" كصناع الطرابيش المهرة الذين لا مثيل لهم، ورغم ذلك لا أحد يعرفهم ولا أحد سيلبس ما يصنعون.. أنهم قد ماتوا على الشاطئ الآخر للزمن، وسيلحق بهم كل من يتصور أن النعيم فقط فيما مضى وليس فيما يمكن أن نصنعه اليوم وغدا.