رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رحل ولم تغرب شمسه

أحمد شمس الدين الحجاجى.. سيرة بطل شعبى

الدكتور أحمد الحجاجى
الدكتور أحمد الحجاجى

نموذج متفرد للتنوع الثقافى

عشق العربية وارتبط بالمأثورات الشعبية
كتب الشعر والرواية والنقد والسيرة الذاتية
قرأ لمحفوظ ولم يوفق فى تقليده


فى «طيبة» عاصمة مصر القديمة، كان منشأه، فجاور عظمة الآباء وتفتح وعيه على حضارة الأجداد، فصار لقربه من معبدالأقصر، أثره الواضح فى تشكيل ثقافته وعمق دراسته.
عاش فى الأقصر ذات التاريخ والحكايات والأساطير والتنوع الثقافى والمعرفى، التى من خصائصها التعايش الدينى والحضارى، حتى صار أنموذجاً للمثقف الواسع الاطلاع، الرقيق الطبع، المتدفق الحس والخيال، مما برز معه اهتمامه الواسع بالأدب الشعبى، فكان واحداً من أبرز أساتذته، ومن هنا خرج هذا الأنموذج المتفرد المستخلص من هذه الثقافات، وأضاف إليها أصالة أسرته ومكانتها العلمية فى الأقصر، فهو من أسرة (الحجاجى) ذات التاريخ والمعرفة العلمية فى منطقته، فبزغ أسلوبه وانعكس فى تعامله مع الناس من ناحية، كما استثمر المكان ووعيه بحكاياته وأساطيره وتراثه فى أعماله الإبداعية من ناحية أخرى، فكان منها أبرز أعماله الإبداعية، وهى رواية (سيرة الشيخ نور الدين).
إنه العلامة الكبير د.أحمد شمس الدين الحجاجى، الذى رحل عن عالمنا منذ أيام، والمولود فى عام 1934م، تلقى تعليمه الأولى بمدارس بلدته حتى أتمت دراسته الثانوية، ثم سافر إلى القاهرة، والتحق بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ولم يكن اختياره للغة العربية ببعيد عنه أو عن أسرته؛ لأن والده (شمس الدين) كان قد اختارها، وكذلك أخوه (كمال الدين)، وقد تخرجا فى كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، إلا أنه التحق بجامعة القاهرة ذات الطابع الحداثى، عام 1955م، ودرس على أيدى كبار أساتذتها، أمثال: طه حسين، وسهير القلماوى، وعبدالحميد يونس، وشوقى ضيف، ومحمد كامل حسين، وشكرى عياد، وغيرهم. وبذلك اختلف عن أبيه وأخيه، بل تميز عنهما بمواصلته للدراسات العليا، فحصل على الماجستير (فى النقد المسرحى فى مصر) عام 1965م، ثم حصل على الدكتوراه عن أطروحته (الأسطورة فى المسرح المصرى المعاصر) عام 1973م بإشراف الاستاذة القديرة د.سهير القلماوى.
* دراسته للعربية وتدريسه لها
عمل الدكتور أحمد الحجاجى فى تدريس اللغة العربية والأدب العربى فى بلده مصر بعد عودته من أمريكا فى الثمانينيات. ولم يقتصر تدريسه للغة العربية وآدابها على مصر وحدها، بل امتد نشاطه التعليمى إلى أمريكا، وسلطنة بروناى، والسعودية، والإمارات، وكوريا التى عمل فيها استاذاً زائراً فى جامعة (هانكوك) للدراسات الأجنبية فى (سيول)، وبقى فيها عاماً، ثم سافر من هناك إلى أمريكا، وعمل فى تعليم اللغة العربية والأدب العربى والأديان المقارنة فى جامعات عديدة كجامعة (نورث كارولينا)، وجامعة (أبليكانت)، وجامعة (ويسكونسن بماديسون)، وظل يدرس فى جامعات أمريكا أكثر من عشرين عاماً، ثم عاد إلى وطنه ليدرس اللغة العربية والنقد والأدب الشعبى والمسرح فى المعهد العالى للفنون المسرحية، والجامعة الأمريكية، وجامعة القاهرة. وفى عامى 1993و1994م عمل أستاذاً زائراً فى المعهد العالى للدراسات الإسلامية بوزارة الشئون الدينية ببروناى دار السلام. وخلال عمله فى تلك الجامعات أشرف على عددٍ كبيرٍ من رسائل الماجستير والدكتوراه، وتخرج على يديه مئات من الباحثين. وقد أشرف على تنظيم الدورات اللغوية المكثفة للطلاب البروناويين الذين التحقوا بجامعة الأزهر، كما ظهرت جهوده عموماً فى تعليم اللغة العربية لطلاب شرق آسيا. 
* محفوظ والمحاولات الأولى
وعن دراسته للعربية وإرهاصات إبداعه، كان له تصريح أكد فيه أن والده كان عالماً كبيراً، وكان مثلاً أعلى بالنسبة له، لافتاً إلى أنه كان فى شبابه يكتب الشعر، إلا أنه انصاع لأوامر والده بعدم الاستمرار فى الشعر لأنه لم يستطع أن يكون الأول فى هذا المجال، «بعديها اتجهت لكتابه الرواية، وكان رأيه فى كتاباتى غير رأيه فى الشعر».
بدايات قراءاته كانت لنجيب محفوظ فى فترة المرحلة الثانوية، وسعى أن يؤلف كتابات على غرار ما يكتبه الكاتب الراحل ولكنه لم يستطع، «كنت بقرا للكاتب الكبير نجيب محفوظ، واخترت دراسة اللغة العربية فى فترة الكلية».  
* ارتباطه بالمأثورات الشعبية
ارتبط أيما ارتباط بالمأثورات الشعبية والدراسات الأدبية المتعلقة بها، وهو فى حواراته وحديثه يكثر التركيز على الربط بينها وبين الآداب العربية الفصيحة؛ إذ يرى أنها من مشكاة واحدة، بل إن الأدب الشعبى فى كثير من قضاياه يفوقها عمقاً ودلالة، وربما فسر ذلك ربطه المستمر بينهما فى مؤلفاته وأبحاثه.
فكان له برنامج بعنوان (الفن الشعبى) يجلى فيه هذه الفنون، ويعرض للسيرة الهلالية بالحوار مع أحد رواتها الحافظين، ومنهم: (محمد اليمنى)، وقد أذيع فى التليفزيون المصرى، ويمكن البحث عنه ضمن ذاكرة (ماسبيرو). 
كما تجلى ولعه بهذا الفن فى كتاباته، مثل كتابه (مولد البطل فى السيرة الشعبية)، وقد درس فيه السير الشعبية جميعها، واستخلص منها ملامح مولد البطل، وكأنه قد وصل إلى معرفة جامعة لما يربط السيرة الشعبية بأهم روابطها المشتركة فى الخيال الشعبى، وفى طريقة بناء السيرة ذاتها؛ حيث يكون مولد البطل علامة مهمة فى بناء السيرة وأحداثها وشخصياتها، ثم كان له الجهد العلمى المتتابع فى هذا الميدان؛ فتناول معلماً آخر فى السيرة الشعبية، وهى (النبوءة، أو، قدر البطل فى السير الشعبية العربية) فالنبوءة ليست مجرد حدث عابر فى بناء السيرة، بل عدها بنية ركيزة فى السير الشعبية لا تخلو منها أى سيرة، ومن هنا كان كتابه مؤكداً تأملاته العميقة فى معايشة السيرة الشعبية والخوض فيها، وهو بذلك يتلمس جوانب ذكيةً ودقيقةً فى تلك السير تدل على حس معرفى ومنهج نقدى. 
وعن ذلك قال فى أحد لقاءاته: «وأنا بدرس فى أمريكا قدمت طلب إنى أدرس السير الشعبية، ووافقوا على منحة أعملها وبيها لفيت مصر كلها علشان أكتب السير الشعبية، وحتى الآن السيرة الشعبية الخاصة بوالدى لم تنته من ذاكرتى حتى الآن». 
مؤكداً أن التراث المصرى ملىء بالملاحم الشعبية والأشهر فيما بينهم السيرة الهلالية، وهى حقيقية ويوجد بها أكثر من 20 عائلة، «متقدرش تقول لحد منهم إنت ملكش جد، هتكون بتنزع نسبه، والهلالية فى الأقصر عائلات، ولو قلت لهم جدكم مش أبى زيد الهلالى يبقى بتهينهم»، فقد سافر الهلالية إلى المغرب وعملوا بها، وبعد ذلك عاد عدد منهم من هناك إلى مصر وحكوا السيرة الهلالية، «فيه منهم فى الحروب اتهزمت ومنهم اللى متهزمش، والكاتب الكبير ابن خلدون كتب عنهم كتير». 
* نماذج من إبداعاته:
رحل عنا لكنه ترك إرثاً كبيراً من المقالات والكتب المتعددة فى مختلف المجالات منها النقد الأدبى والمسرح، منها: الأسطورة فى المسرح المصرى المعاصر، فى قواعد اللغة العربية، الأسطورة فى الأدب العربى، مولد البطل فى السيرة الشعبية، النبوءة، أو قدر البطل فى السير الشعبية العربية.
وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ٢٠١٠ 
* رواية «سيرة الشيخ نورالدين»:
نالت روايته قبولاً كبيراً فى الأوساط الأدبية، وقد اختيرت ضمن أفضل مائة رواية فى القرن العشرين، وتم تحويلها فيما بعد إلى مسلسل تليفزيونى بعنوان «درب الطيب»، طبعتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 1987م، (وأعاد المجلس الأعلى للثقافة طباعتها عام 2002م). هذه الرواية نشرت فى عام 1985م فى حلقات فى مجلة القاهرة، ثم نشرت مجموعةً فى كتاب فى العام التالى 1986م، وتضم الرواية (22 فصلاً)،
وتحكى عن الأيام الأخيرة فى حياة شيخ من الأقصر، اكتسب المشيخة بالوراثة والدراسة، واكتسب معها التقاليد العربية الإسلامية للصعيد، فصار بطلا جمع المجد والشرف والقوة والحكمة والعلم، مما مكنه أن يظهر الجوانب المدهشة للحياة حين يحكمها الإسلام،. وتتضمن حوادث من حياة مؤلفها التى مرت به فى مدينتى الأقصر والقاهرة، وتمثله شخصية «محمود» الراوى، وحياة أسرته، وعائلته (الحجاجية)، فالرواية فى أساسها سيرة ذاتية لمؤلفها ولوالده معاً، وقد وضعت فى قالب السيرة الشعبية، أوهى بعبارة أخرى مزيج بديع متقن من السيرة الذاتية والسيرة الشعبية. 
ومن مؤلفاته نتناول:
*(صانع الأسطورة الطيب صالح): وطبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م، وهى دراسة لدور الأسطورة فى أعماله: (عرس الزين، ومريود، وبندرشاه (ضوء البيت)، ودومة ود حامد).
يرى الدكتور الحجاجى أن الطيب صالح قد استخدم الأسطورة المعيشة فى الواقع السودانى، وبنى عليها أعماله الروائية، ورسم من خلالها الأسطورة بكل أبعادها، فكان بجمعه لجزئيات الأسطورة الشعبية فى وحدة متناسقة صانعاً لها. ويعد هذا الكتاب محاولة جادة لدراسة الأسطورة فى الأنواع الأدبية الشفاهية والمكتوبة. وقد صدر فى طبعة ثانية عن المجلس الأعلى للثقافة، عام 2019م. 
* (الأسطورة فى الأدب العربي): طبعته دار الهلال، 1983م. وفيه درس أسطورة الخلق الفنى فى الأدب العربى، وقد قسم الكتاب إلى مدخل، وبابين. حاول فى المدخل توثيق مادة هؤلاء الشعراء من الأعمال المدونة فى العصر العباسى محاولاً التعرف على شكلها الشعبى. وخص الباب الأول للأعمال المكتوبة نثراً، وقد قسمه إلى فصلين، فصل خاص بالمقامة الأسودية، والمقامة الإبليسية لبديع الزمان الهمذانى. والفصل الثانى دراسة لرسالة التوابع والزوابع لابن شهيد. أما الباب الثانى فدراسة لأسطورة الخلق الفنى فى الأعمال الشعرية، وقسمه إلى فصلين، الفصل الأول دراسة لقصيدة الحكم بن عمرو البهرانى، والفصل الثانى دراسة لمسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقى.
وأعيدت طباعته بعنوان (تجليات أسطورة الخلق الفنى فى الأدب العربى) صدر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، 2016م. 
رحم الله العلامة القدير أحمد شمس الدين الحجاجى، الذى غادرنا فى الثالث عشر من فبراير الحالى، وأبقى شمس إبداعه وضاءة لا تغيب.