رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اقتربت من سعيد عبدالغنى كثيرًا فى بداية التسعينيات من القرن الماضى، وبعد فترة ليست بالقصيرة بدأت شخصية هذا الفنان الكبير تنكشف أمامى، فإذا بى وقد كونت فكرة خاطئة عنها، مفادها أنه شخص متعالٍ يتعامل بكبر مع الآخرين، يعيش فى برج عاجى غير مسموح لأحد بأن يقتحم خلوته، فإذا بى أجدنى أنا الذى أخطأت فى حق هذا الإنسان النبيل.. فهو ابن بلد مصرى حقيقى عاش حياته كلها وسط البسطاء من الناس، حافظ على صداقاته منذ بداية العمر حتى منتهاه، بل إنه حرص على جمع عدد كبير من أهل الفن وكان هدفه الأسمى هو فتح أبواب الرزق لهم دون دعاية أو إعلان، فكان سعيد عبدالغنى ونجوميته تسمح بذلك.. يقوم بتسكين عدد غير قليل من أهل الفن فى كل عمل فنى يشارك فيه.. وفى مسرحية بودى جارد كانت غرفة سعيد عبدالغنى هى الكعبة التي يحج إليها ضيوف المسرح وحتى زملاء سعيد فى المسرحية وعلى رأسهم نجم نجوم عالمنا العربى بأسره عادل إمام، ولم يكن سمير خفاجى يأنس لأحد بقدر ما أنس لاثنين اجتمعت لهما نفس الصفات سعيد عبدالغنى وعزت أبوعوف، وفى المسرح كان سعيد عبدالغنى حريصاً على سعادة كل من حوله، ذلك لأن أى حالة بؤس داخل كواليس المسرح كفيلة بأن تنتقل كما فيروس الكورونا إليه هو شخصياً، ولهذا كان عمال المسرح والبوفيه وما يطلق عليهم فى الوسط الفنى «السكاليه» محط أنظار ورعاية وعناية سعيد عبدالغنى، وكنت أحياناً أتعجب لهول المساعدات التى يقدمها سعيد عبدالغنى لبعض البسطاء، وكان يقرأ دهشتى من نظرات عينى.. ويضحك وهو يقول.. يا كراملة يا صاحبى.. أجمل شىء فى الوجود إنك تخلى الناس اللى حواليك سعداء.. جمهور المسرح جاى علشان يدور على السعادة.. ودافعين دم قلبهم فى التذكرة والمؤلف والمنتج عملوا البدع علشان العمل يطلع مبهج وإحنا المسئولين عن توصيل البهجة.. مش للجهور بس .. لا .. لكل الناس اللى داخل الكيان المسرحى ده.. احنا هنا علشان نسعد كل الناس، ولم يكن سعيد عبدالغنى يغفل حقه هو شخصيا فى السعادة، كيف لا وله من اسمه النصيب الأعظم.. وجدته عاشقاً للطرب القديم الأصيل ويهوى سماعه من شاب رائع الصوت جميل الصفات اسمه سهل يزبك، وهو المطرب الرائع الشهير الآن.. خصص سعيد عبدالغنى يوم فى الأسبوع لكى يسلم أذنيه ومعها أذن شخصى الضعيف لصوت سهيل يزبك وهو يغنى لنا الدرر والجواهر التى تركها لنا الأولون.. وفى مكان شديد الروعة والجمال فى الزمالك كان سعيد عبدالغنى يقصده كل يوم إجازة فى المسرح وهو موجود فى مكان ليس له نظير، والداخل إليه يشعر كأنه فى قصر من قصور أسرة ابن مصر العظيم محمد على.. من حيث التنسيق النادر للخضرة والنباتات والأناقة الرفيعة التى هى سمة المكان، ولم يكن المكان وحده فقط هو الذى جذب شخص سعيد عبدالغنى ولكن صاحبه الحاج نعيم وهو مواطن سورى جاء إلى مصر منذ قديم الزمن، وحدث عشق بينه وبين حى الزمالك الراقى الهادئ.. فقرر أن يبنى مكاناً يليق بهذا الحى ورقيه وبالتبعية أصبح المكان هو محلاً يجتمع فيه أهل الفن والإبداع سمير خفاجى وسمير صبرى وعزت أبوعوف ومحمد أبوداود وحسن مصطفى والعديد من أهل القلم كلهم انتقل إليهم فيروس حب المكان من سعيد عبدالغنى، وقد اسمتعت ذات يوم إلى انتقاد حاد من أحد المقربين لشخصى الضعيف من أهل الفن بحق سعيد عبدالغنى.. وكان الرجل قد تعرض لأزمة صحية طاحنة منعته من الحرية والخروج من المنزل.. وعندما جاءت لحظة مناسبة للبوح.. طرحت على سعيد عبدالغنى آلام صديقنا المشترك وعتابه.. وهنا تغيرت ملامح الوجه الوسيم البشوش وحل محل الابتسامة.. حزن هادئ.. وأخذ نفساً عميقاً ثم قال.. يا رب انت عارف انا بحب هذا الرجل على المستوى الإنسانى والفنى.. وبيننا مساحة من الود لا حدود لها.. وله محبة فى قلبى الكل يعلم بها وانا كما كل انسان فيه عيوب.. ودعنى أقول لك إن أخطر هذه العيوب.. هى عدم القدرة على تحمل صديق عزيز وغالٍ يتألم أو يعانى أو يواجه عجزاً فى متطلباته، من السهولة أن أذهب إليه وأعوده فى مرضه.. ولكن لك أن تتخيل.. أن الصورة التى سوف اراه عليها.. ستظل تلازمنى ليل نهار وتؤرق نومى وتقلب المواجع.. فأقارن بين حاله قبل المرض وبعده، وأظل اعيش هذه المأساة دون توقف.. وبناء عليه أنا أفضل أن أهرب من هذه الحالة، وأن أضحك على نفسى وأوهم نفسى بأن الصديق بخير وعلى ما يرام.. وأنه يمر بوعكة سرعان ما سيعود أفضل مما كان وأظل أحتفظ له بالصورة الجميلة التى تمتعنى وتسعدنى، بالتأكيد صدقت سعيد عبدالغنى لأننى بحق لمست إنساناً بمعنى الكلمة.. اتسع قلبه للجميع وساعد كل من وقع فى طريقه، ولون حياة من حوله بلمسة من الجمال والسعادة كلما استطاع.. أتذكر آخر كلمات سعيد عبدالغنى وهو يعانى الإحساس الأسوأ فى حياته.. عندما منعوه من الكتابة فى محبوبته الأهرام المسائى وكان يحرر صفحة أسبوعية كل يوم ثلاثاء وكان يحرص يوم الاثنين ليلاً على أن نذهب معاً إلى ميدان التحرير لشراء عشرة نسخ من الجريدة ولا يذهب إلى بيته إلا بعد أن يقوم بقراءة الصفحة كاملة.. وكانت السعادة تغمر كيانه بأكمله.. فقد كان رغم الشهرة والنجاح الذى تحقق فى عالم الضوء يشعر بأن المهنة التى خلق من أجلها وأسعدته هى مهنة الصحافة منذ كان مراسلاً عسكرياً فى بدايات حياته وحتى وقعت عليه أنباء صاعقة بأن رئيس التحرير الجديد منع نشر كتاباته وأن الصفحة سوف يتولى تحريرها غيره.. هنا قال سعيد عبدالغنى.. يا أكرم الكارثة فى بلادنا هى الاختيار بين الأفضل.. والمفضول.. اليوم تمر خمس سنوات كاملة على رحيل الفنان الذى يشبه الباشوات فى المظهر وإن سكنه فى حقيقة الأمر ابن بلد مصرى شهم لا مثيل له، رحم الله سعيد عبدالغنى.