شُـحّ فى السكر فى معـقل زراعة القـصب!
فى المجتمعات المحلية القروّية والريفية لا يُنظر إلى السكر بوصفه سلعة استهلاكية يمكن الاستغناء عنها بسبب الغلاء، أو للأضرار التي يُسببها، حسبما يُسميه أطباء الأغذية بـ «السم الأبيض»، بل هو جزء أصيل ورئيسي فى الغذاء اليومي للأسر.
فى الصباح الباكر تنشط ربات البيوت فى إعداد وجبة الإفطار، قد لا يشمل هذا الإفطار الصباحي لدى هذه الأسر غير المستديمة الدخل، سوى الشاي وحبات الخبز المنزلي المُجفف «العيش الشمسي»! تُستخدم كميات كبيرة من السكر فى تحلية المشروب بحيث يُوفر مصدرًا للطاقة بسعراته العالية، التي يحتاجها رب الأسرة وأولاده فى عملهم اليومي الشاق فى الزراعة، أو غيرها من المهن التي تحتاج إلى قوة البدن.
منذ قرون مضت استقرت هذه السلعة فى وجدان سكان المجتمعات المُستزرعة لقصب السكر - وهو المادة الخام الذي يستخلص منه السكر الأبيض، بوصفه مكونًا رئيسيًا لا فى الغذاء وحده، بل هو الوسيلة لضبط الأمزجة المُعتلة وإكرام الضيوف فى دواوين القرى، أيضًا هو الهدية الكلاسكية المُتبادلة فى حفلات الزفاف والمأتم بين أسر هذه المجتمعات، وقديمًا كان التهادي بالسكر يُقدر بشكل المنتج، واعتبرت الذهنية الشعبية، السكر المصنوع بشكل الأقماع، أو المُعلب فى عبوات بشكل المكعبات أعلى قيمة!
ثبات ضرورة هذه السلعة فى الذهنية الشعبية مرتبط بالطبع بقدم زراعة المادة الخام ونشوء المعامل المحلية الصغيرة التي أقيمت فى محيط القرى المستزرعة لمحصول القصب لتكرير السكر وبيعه محليًا وتصديره، فقد بدأت زراعة القصب وتكرير السكر فى مصر سنة 710 ميلادية، وقد كان مناخ أقاليم جنوب الصعيد ملائمًا لذلك النوع من المحاصيل.
يحيطنا المُورخ تقي الدين المقريزي علمًا بأهمية محصول القصب والصناعة القائمة عليه «التكرير» فى العصر المملوكي «اشتهر محمد أبوالسنون بن عمر بن عبد العزيز الهواريّ بإنه أكثر من زراعة قصب السكر وإقامة الدواليب للسكر واعتصاره وأثري من ذلك ثراء طائلاً».
كانت محافظات الصعيد أو «ولاية الصعيد» أثناء الاحتلال العثماني لمصر، هي المُصدر الرئيسي لسلعة السكر إلى إستنابول وكانت «فرشوط» شمال محافظة قنا، هي إحدي أهم مراكز تكرير السكر ، حيث انتشرت بها المعامل الصغيرة وكان إنتاجها يتقاسمه السوق المحلي والأسواق الأوربية وبينها إيطاليا وفرنسا وألمانيا!
أرقام عن تكرير السكر:
بعد اعتلاء محمد علي باشا الكبير الحكم، أدرك بخبرته المُسبقة فى إدارة المال والتجارة، أهمية هذه السلعة، فقد امتلك «الباشا» زراعات واسعة بمحصول القصب وبدأ إدخال صناعة تكرير السكر الحديثة سنة 1818 واستعان بمهندس بريطاني ليقيم أول مصنع بمحافظة المنيا.
ثم أسست الشركة العامة لمصانع السكر فى الوجه القبلي، وأقامت مصنعًا فى «الشيخ فضل» المنيا، و«نجع حمادي» فى قنا، العام 1896، وفى السنوات التالية تم إنشاء مصانع أخرى فى مطاي، أبوقرقاص بمحافظة المنيا، «أرمنت» الأقصر.
وحاليًا توجد 7 مصانع لتكرير السكر فى محافظات الوجه القبلي، توجد ثلاثة منها فى محافظة قنا وحدها؛ بمراكز نجع حمادي، قوص، ودشنا.

من المعلومات الرسمية المُهمة أن إنتاج المصانع الثلاثة الموجودة بحيز محافظة قنا، وهي أكبر المحافظات المستزرعة لمحصول القصب، يبلغ سنويًا 395 ألف طن من السكر، إذا تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصنع نجع حمادي 150 ألف طن، ومصنع قوص 170 ألف طن، ومصنع دشنا 75 ألف طن من السكر سنويًا.

يتندر صغار مزارعي قصب السكر على السعر غير المسبوق الذي وصل إليه سعر الكيلو فى المتاجر ــ ما بين 45 إلى 50 جنيهًا للكيلو الواحد، يقولون إن بلد القصب لا تجد السكر! فى إشارة إلى الشح الذي وصلت إليه السلعة فى محافظة قنا، التي تنتج 36% من إجمالي محصول القصب فى الجمهورية! على نحو 116 ألفًا و616 فدان.
لم تسلم محافظة قنا، ككل المحافظات المصرية من أزمة شُحّ السكر، رغم الجهود المبذولة من الحكومة لاحتواء الأزمة، ومنها ضخ 70 طنًا يوميًا من وزارة التموين، بحسب تصريحات المحافظ أشرف الداودي.