رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما تتأزم الأمور حول الذات،وتشعر بالاختناق وتبحث عن الحل،وتريد الفرار.. هنا لا بد أن يكون هناك مكان.. أى مكان.. مكان تأوى إليه.. مكان تستشعر فيه بالأمان والطمأنينة..لا بد من المكان.. مكان يحتويك ويشعرك بذاتك التى تتهاوى أو التى أوشكت على النهاية والانهيار.. لا بد من المكان.. لا بد من الفرار إلى مكان.. إنه المكان الذى تتخلى فيه من كل شىء.. المكان الذى يتيح لك العرى.. العرى هنا لا يعنى العرى الجسدى.. إنه العرى النفسى.. وعندما يتمكن الإنسان من أن يتعرى نفسيًا،هنا تكون الراحة والسكينة.. لذلك لا بد من ذلك المكان الذى يجعلك تفعل ذلك.. لا بد أن يكون لك مكان.. وماذا لو حدث ولم تجد ذلك المكان؟ هذا هو الجحيم.. تلك هى المأساة.. أنك لا تجد المكان.. وسعادة الإنسان الحقيقية تتحقق عندما يجد ذلك المكان.. المكان الذى لا تشعر فيه بأى خجل أو خزى أو اضطراب.. المكان الذى تجد فيه المواساة لذاتك.. والإنسان الناجح أو القادر أن يحقق كل آماله، مؤكد أن له مكانا..مكان يؤويه ويحتضنه ويشعره أنه موجود وأن له فائدة وقيمة.

فى رواية دوستوفسكى (الجريمة والعقاب) الجزء الأول: يقول: لا بد لكل إنسان من أن يجد ولو مكانًا يذهب إليه، لأن الإنسان تمر به لحظات لا مناص له فيها من الذهاب إلى مكان ما، إلى أى مكان!).

إن المكان المطلوب هو القادر أن يخرجك من الفقدان، من الضياع من التبعثر وسط الخضم القاتل.. المكان الذى تذهب إليه هو القادر أن يسمعك ويشعر بك ويقوم بعملية (الطبطبة).. فتتماسك وتلم أزرك من أجل أن تقاوم كل ما هو آسن ورديء ومقزز..لا بد لنا من مكان.. والويل كل الويل إذا قضيت العمر فى حالة من التبعثر والتشتت..ولم تخلق لك مكانا أو لم توجد مكانًا فى اللحظة الحرجة والآسنة يمكن أن تذهب إليه.. عليك أن تخلق لك مكانا.. حتى ولو كان وسط الأموات..المهم أن يوجد لك مكان قادر أن يحميك من الانهيار والهدم. إنها دعوة لإيجاد المكان.. أى مكان.. المهم أن تجد فيه ذاتك وتشعر بالطمأنينة والاحتواء.

وعندما نتأمل عالم دوستويفسكى نجد من يحرص للذهاب إلى الحانة أو الخمارة.. من أجل أن يتناول ما يجعله يتخلص من همومه.. لكن الأهم هو أن يجد هناك من يتمكن معهم أن يبوح بكل ما فى داخله.. فى عالم الخمارة تجد أصنافًا من البشر وبأشكال متنوعة، لكن التأمل الدقيق ستجد هذا الأمر هو انه يلجأ إلى مكان.. إنه المكان القادر أن يخرج فيه كل ما بداخله.. أن يجد بين السكارى من يتواشج معه..ويتآلف معه.. ويشاركه.. هذا لا يعنى أن الخمارة هى المكان الذى يجب أن يذهب الناس إليه.. لكن إنه تعبير عن أهمية أن يوجد لك مكان.. من الممكن أن يكون المكان الجلوس أمام البحر..مع صوت الموج وتياراته..هنا يشعر الفرد بأنه المكان القادر أن يحتويه ويجعله يخرج كل ما بداخله.. من الممكن أن يكون الوجود وسط الحدائق..يتحدث مع الأشجار والنباتات.. إنه المكان.. من الممكن أن يكون المكان هو مكان للعبادة أيا تكون تلك العبادة.. إنه المكان القادر أن يجعلك تسترد ذاتك. أو يكون الحبيب أو الأليف أو الصديق الوفى. إنه مكان تذهب إليه حتى لا تختنق.

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال

أكاديمية الفنون