رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عاقب الله آدم وحواء بنفيهما من السماء إلى الأرض ليس بسبب خطيئة وقعا فيها وإنما لأنهما مارسا حريتهما متجاوزين الخطوط الحمراء للعرش العظيم.. لقد قضما التفاحة التى وقفت بحلقيهما وحلوقنا جميعًا حتى اللحظة تذكرنا بذنب لم نقترفه.. ملايين السنين مرت على أسطورة أول حكم قضائى إلهى، ومنذ الأزل والإنسان يشقى بسعيه لخلق جنة له على الأرض.

المؤكد أن هذه الجنة ستظل الحلم الخادع والجميل الذى نجرى وراءه فى طرقات المال والحب والسياسة والشهرة، وكلما ابتعد عنا أغرانا بالركض خلفه بالعلم والحرب والموت والدموع.. جمال الفردوس الأرضى المفقود أن استحالة وجوده لا تعنى عدم مشروعيته.. كلما اقتربنا منه ابتعد أو هرب أو تجلى لنا مثل قوس قزح يدغدغ مشاعرنا ثم يختفى لنعود لسجن القلق الأبدى الذى نتعذب فى زنازينه بالمشى فوق جمر الشك وعدم اليقين.. يعذب كلًّا منا ذلك الشعور بأنه زائد على الحاجة، وأن يومه الأخير يقترب منه كفيضان جارف سيقذف به إلى ظلام العدم.

ولكل لحظة تحول من عصر إلى آخر ضحاياها من الذين لا يجدون لهم مكانًا فى الزمن الجديد.. إنهم أنا وأنت وهى وهو من الذين ولدوا فى نهايات زمن التعلق بالقمر فلم يستطيعوا سكناه، وفى نهايات العمر صعقهم عصر الأقمار الاصطناعية والأخلاق الصناعية والمشاعر الصناعية ليجدوا أنفسهم عرايا فى العراء بلا مأوى روحى، بلا يقين.. فوق جسر التحولات الكبرى فى التاريخ كم من الأحياء يسقطون ضحايا الاغتراب عن الواقع الجديد، وحتى لا تتعطل مواكب الانتقال من شاطئ لآخر يتم إلقاء جثثنا أحياء أو أمواتًا فى النهر ليأخذنا إلى المجهول الأزلى.

ما يحدث لنا ومن حولنا حتى آخر نقطة بالخريطة شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا أشبه بيوم القيامة، حيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وكما كان يرى كبير حارتنا وجدنا النبيل نجيب محفوظ «إن الإنسان المعاصر أصبح وحيدا، ولا يجد الدفء حتى فى أسرته، إنه اليوم منفى كما نفى الإنسان الأول من جنته».

وإذا كانت الحرية هى أعظم الفضائل فى التاريخ فإننا أحفاد آدم سنظل ندفع ثمن إيمان جدنا الأول بالحرية وتجرئه على سلطة الأبد.. معصية آدم أورثتنا السير فى طريق القلق والمعصية والآلام، وكلما تطور الزمن ركبنا سفنًا جديدة تبحر بنا نحو مجهول جديد.. ومثلما كانت هناك سلطة أبدية عاقبت آدم وحواء على إثم الحب والعشق وطلب الحرية ومحاولة قطفها من شجرة الفردوس، فإننا فوق خارطة دنيانا نواجه أشكالًا وألوانًا من الهيمنة والتسلط لعل أقواها حتى يومنا هذا هى سلطة المجتمع المسجون داخل أسوار عالية من الخوف والوهم واليقين الكاذب.

وإذا كان الغفران أكبر وظائف الآلهة فإن المذنبين وحدهم هم من يطلبون الغفران وبدونهم فلا وظيفة لأصحاب العروش المقدسة.. من هنا تتجلى قيمة الحرية التى تقود أصحابها للتجربة والخطأ والمعصية إلى أن تتطهر نفوسهم وتصبح أنقى من تلك النفوس الخانعة المستسلمة البيضاء بياض الموت.. لنتأمل مريم المجدلية وجمال انتقالها من عبث الليل إلى حقيقة النهار، ولنتأمل مغامرات موسى ونبوة محمد، سنجد أن طهر النبوة وروعة الرسالة يستمدان المعنى الكبير لهما من سراديب أرواح تمردت وعصت ثم تطهرت وصححت مساراتها، ثم تحملت عبء رسالة كبرى تجاه الإنسان.. الأنبياء والرسل لم يبعثوا لمباركة الصالحين وإنما للاختلاط بالعاصين ومنحهم الثقة فى الانضمام إلى حزب جديد شعاره «معًا نبحث عن يقين مختلف». الأذكياء من الحكام على مر التاريخ هم من بثوا فى نفوس شعوبهم رغبة المغامرة وحماس التجربة والولع بالاكتشاف.. أمريكا اليوم – وبعيدًا عن أى اعتبارات سياسية– هى أقوى الامبراطوريات فى التاريخ الإنسانى، والتى شيدها فى البدء خليط من المغامرين واللصوص والقوادين والقتلة الذين ذهبوا للأرض الجديدة عراة من أى إيمان سوى المغامرة بحثا عن يقين جديد.. الأمم العظيمة لا يبنيها الأتقياء وإنما يشيدها المغامرون المحلقون وراء أحلامهم والمخلصون لروحهم المتمردة.. بدون الحرية تتحول الطيور إلى سلاحف، وبدون مذنبين لا وظيفة للآلهة.