وظائف وعقارات «فنكوش» على الإنترنت
جرائم الفضاء الإلكترونى
منذ عدة سنوات سافر ممدوح محمد أمين إلى إحدى الدول العربية لتحقيق حلم الثروة الذى ظل يراوده سنوات، ومن خلال إعلان على شبكة الإنترنت وجد فرصة عمل أخرى لزيادة دخله وهو فى مكانه، فالعمل سيكون من خلال الإنترنت أيضاً، «ولمَ لا» قالها الشاب لنفسه، عمل لا يحتاج لمجهود كبير وزيادة فى الدخل فى نفس الوقت، تقدم للوظيفة الجديدة ليجد نفسه ضحية لشياطين الإنس الذين يشكلون شبكة لاصطياد ضحاياهم عبر الشبكة العنكبوتية.
ولأنه محامٍ قرر الاستعلام عن الشركة المعلنة فوجد أن لها مقراً فى منطقة المعادى بالقاهرة وبالسؤال عنها تبين أن إدارتها يتولاها مجموعة من الصينيين يعاونهم بعض المصريين، وهى شركة متخصصة فى إدارة حسابات المتعاملين على إحدى منصات تداول العملات المشفرة، واستمر ممدوح فى العمل مع الشركة لمدة عام كامل لم يتقاضَ خلالها أى مقابل، وجلب عدداً كبيراً من العملاء ليفاجأ بعدها بإغلاق موقع الشركة التى تبخرت فى الفضاء الإلكترونى.
ممدوح ليس الوحيد الذى وقع فى براثن نصابى الإنترنت، فهو واحد من كثير من الشباب الذين راحوا ضحية «الفنكوش الإلكترونى» سواء بالبحث عن وظائف أو شراء سلع غير مطابقة للمواصفات عبر الإنترنت أو حتى شراء شقق أو التعرض لعمليات نصب حقيقية بدفع أموال دون الحصول على شىء.
وعلى مدار السنوات الماضية ظهرت العديد من الصفحات المزيفة التى ادعت حاجتها لشباب للعمل وبعد جمع أكبر قدر من المال تم إغلاقها ليقوم ضحاياها بتحرير محاضر بهذه الوقائع إلا أنها لم تسفر عن أى شىء.

عملية النصب التى تعرض لها المحامى الشاب ممدوح كانت مختلفة إلى حد ما عن غيرها من العمليات الأخرى، وهو ما أوضحه لنا قائلاً: كل عميل يقوم بشراء عملة مشفرة بقيمة معينة، وتقوم الشركة بفتح حساب له ومن خلاله تحصل الشركة على الأموال التى يتم شراء العملات بها، ومن خلال علاقاتى تمكنت من استقطاب عدد كبير من العملاء لصالح الشركة، وكان من المفترض أن أحصل منها على مبلغ 2 مليون دولار كعمولة، وعندما حان وقت الحصول على المبلغ المستحق فوجئ المحامى بإغلاق موقع الشركة، ليجد نفسه مهدداً بالسجن بتهمة النصب، كما أنه خسر مبلغ العمولة الذى كان يحلم به، وفى 1/9/2022 قام بتحرير محضر ضد الشركة قيد برقم 7997 لسنة 2022 إدارى قسم البساتين.
وكما ذكرنا «ممدوح» ليس الأول ولن يكون الأخير فعلى إحدى صفحات السوشيال ميديا، وجد الدكتور محمد سليمان عبدالستار إعلاناً عن شقة بمقدم مناسب، وحرصاً منه على تجنب التعامل مع السماسرة وعمليات المزايدة التى يقوم البعض منهم بافتعالها لرفع الأسعار، فضل الدكتور محمد الشراء عن طريق الإنترنت، وقام بحجز 6 وحدات سكنية له ولعدد من أفراد أسرته بمقدم مليون و700 ألف جنيه، وبعد فترة توجه للموقع ليفاجأ بأن هذه الوحدات لم تنفذ، بل إن قطعة الأرض التى سيقام عليها المبنى ليست ملكاً للمتهم الذى قام ببيع الوحدات لأكثر من شخص على طريقة فيلم «غريب فى بيتى».
حرر الضحية محضراً تحول إلى قضية صدر فيها حكم نهائى بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ وكفالة قدرها 10 آلاف جنيه على المتهم محمد جمال السيد محمد عبدالعال بالقضية رقم 17815 لسنة 2021 مستأنف 6 أكتوبر والمقيدة برقم 6107، وأشارت أوراق القضية إلى أن المتهم قام ببيع أربع وحدات للمواطن محمد إبراهيم مسعود سعيد، بذات القيمة السالف ذكرها بمساحة 115 متراً مربعاً، بينما قام المواطن محمد سليمان عبدالستار بشراء 6 وحدات سكنية برقم 5 و6 و13 و14 و19 و20 بقيمة مليون و700 ألف جنيه فى عام ٢٠١٧.
قواعد الأمان
ورغم أن الدكتور محمد سليمان لم يكتفِ بالحصول على حكم بالحبس ضد المتهم بل إنه قام بتقديم شكويين لمديرية أمن الجيزة الأولى مسجلة برقم 981 لسنة 2022 والثانية مسجلة بقسم الجيزة، ورغم أن المتهم مقيم بدائرة الجيزة إلا أنه ما زال هارباً رغم استيلائه على أموال العديد من المواطنين.

هؤلاء ليسوا آخر ضحايا عمليات النصب الإلكترونى، فكم من الشباب دفعوا أموالاً طائلة لتطبيقات تدعى توظيف الشباب وفى النهاية يتم إغلاق الصفحة دون توفير فرص عمل، بالإضافة إلى شركات بيع الأراضى الوهمية، ناهيك عن السلع مجهولة المصدر التى يتم بيعها عبر الإنترنت أوتلك غير المطابقة للمواصفات، ولذلك نصحنا خبير أمن المعلومات الدكتور محمد الجندى بعدة نصائح يستطيع رواد مواقع التواصل الاجتماعى من خلالها تأمين حساباتهم وأنفسهم من الأعمال المزيفة، وأصحاب الشركات الوهميين، أولها فى حالة تلقيك إعلاناً عبر الإنترنت، أو إذا لم تكن متأكداً من شرعية شركة أو منشأة تجارية خذ وقتاً لتقوم ببعض الأبحاث الإضافية، وقم ببحث عن الصور فى محرك Google أو أبحث عبر الإنترنت عن أشخاص آخرين من المحتمل أن يكونوا قد تعاملوا مع هذه الشركة، ولا تفتح نصوصاً أو نوافذ تظهر أمامك أو رسائل إلكترونية مشبوهة ترسل من الشركة قم بإلغائها إذا لم تكن مألوفة.
وشدد خبير أمن المعلومات على ضرورة التأكد من هوية المتصل عبر مصدر مستقل مثل دليل الهاتف أو بحث على الإنترنت، مع ضرورة الاحتفاظ بالمعلومات الشخصية بشكل آمن، موضحاً: ضع قفلاً على صندوق بريدك ومزق فواتيرك وغيرها من الوثائق المهمة قبل أن ترميها، احتفظ بكلمات السر والأرقام السرية الخاصة بك فى مكان آمن وبعيد عن هاتفك، كن حذراً جداً لكم المعلومات الشخصية التى تشارك بها على مواقع التواصل الاجتماعى.
وأوضح أن سيناريوهات النصب مكررة، ونفس المشهد يتكرر مع كل الشركات، مؤكداً أن الشركات التى تنصب على المواطنين تعمل فى الخفاء لتكوين شريحة كبيرة، حتى تصل لـ100 ألف مشترك لتكون بشكل علنى، منوهاً بأن تغير كلمة السر هو الخطوة الأولى للحماية والأمان من أعمال الاختراق والنصب.
وأشار خبير أمن المعلومات إلى أن اللينكات والروابط المتداولة على السوشيال ميديا تعد واحدة من أساليب النصب وفخ لاصطياد الضحايا من محبى المال، وبعد أن يقوم الضحية بالضغط على اللينك تفتح له صفحة بيضاء، وهى وسيلة اختراق للحصول على صلاحياتك بضغطه هاتفاً، مؤكداً أن «فيسبوك» و«ماسنجر» خطر جديد وفيروس ضد البشرية.
واستكمل: عندما تتعامل مع اتصالات متطفلة من قبل أشخاص أو مصالح تجارية، سواء أكانت عبر الهاتف، أو البريد، أو الرسالة الإلكترونية أو على موقع لشبكات التواصل الاجتماعى، خذ فى الاعتبار دائماً احتمال أن يكون الاتصال عملية احتيال.
كما نوه خبير أمن المعلومات بضرورة حماية الـWiFi بوضع كلمة سر قوية عليه وتفادى استخدام أجهزة كمبيوتر عامة أو النقاط الساخنة فى الـWiFi للقيام بعمليات مصرفية أو تقديم معلومات شخصية من خلال الإنترنت، كما يجب الحذر عند استخدام الـ«فيسبوك»، وأعلم مع من تتواصل وتعلم كيف تستعمل ترتيباتك المتعلقة بالخصوصية والأمن لضمان بقائك بأمان.
وتابع: لا ترسل مالاً أبداً أو تعطى تفاصيل بطاقة الائتمان أو تفاصيل الحساب على الإنترنت أو نسخاً من وثائق شخصية إلى أى شخص لا تعرفه أو لا تثق به، كما لابد من الحظر من العروض التى تبدو مغرية جداً، واستخدم دائماً خدمة تسوق على الإنترنت تعرفها وتثق بها.
نصب ممنهج
قالت الدكتورة شيماء عراقى، استشارى علم النفس، إن عمليات النصب الإلكترونى تقوم على منهج وليست سلوكاً عشوائياً، مشيرة إلى أن أصحاب هذه الصفحات عادة ما يعزفون على أوتار احتياجات الضحايا سواء مادية أو معنوية، ومنهم من يبحث جيداً فى أوضاع السوق ويحاول أن يطور نفسه وأسلوبه لاستقطاب الضحايا.

وأشارت استشارى علم النفس إلى أن أصحاب هذه الصفحات لديهم مهارات عديدة بخلاف المستريح الذى يتعامل وجهاً لوجه مع المواطنين، وذلك بسبب تعامله بالمفردات فقط دون المواجهة، ولهذا لا بد أن يكون على دراية كبيرة بكيفية استقطاب المواطنين بالكلمات، وضربت مثلاً بالنموذج المذكور بشأن إنشاء صفحة ترويجية، حيث قام أصحابها بدراسة السوق واحتياجات المواطنين ومستواهم المادى، وقاموا بعرض بعض المنتجات التى يعتقد المواطنون بأنها عالية الجودة، وفى الوقت نفسه تعتبر أقل من إمكاناتهم المادية ولذلك يشعرون بقيمتها ويقبلون عليها بشغف، فضلاً عن استعراض تجارب المواطنين الذين تعاملوا معهم من قبل ليمنحوا غيرهم الثقة فى التعامل.
وتابعت: انتقاء الألوان الخاصة بالفئة المستهدفة وبعض المفردات التى تناسب ثقافتهم والإعلان عن الربح السريع دون عناء وبجانب ما يستعرضونه من تجارب سابقة للمواطنين الذين ربحوا وما زالوا يمارسون النشاط جميعها آليات لاستقطاب الضحايا بطريقة سهلة.
السجن فى انتظارهم
وقال عصام محمود الخبير القانونى، إن التكنولوجيا أصبحت وسيلة لتحقيق الربح الحرام ويتم استخدامها لخدمة أغراض الجريمة، ولكن القانون تصدى لتلك الجريمة سواء فى الواقع الفعلى أو فى العالم الافتراضى، مشيراً إلى أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 يواجه مثل هذه الجرائم سواء فى الداخل أو فى الخارج إذا كان الضحية مصرياً، أو حتى لو تم ارتكابها عبر وسيلة نقل جوية أو بحرية أو برية تحمل علم مصر.

وأشار إلى أن أصحاب مثل هذه الصفحات يتعرضون لعقوبة قد تصل إلى 3 سنوات وغرامة 300 ألف جنيه، لأنهم ارتكبوا جريمة النصب طبقاً لنص المادة 336 عقوبات، كما أنهم ارتكبوا جريمة توظيف الأموال التى تتفوق على جريمة النصب، حيث ينص القانون على أن «كل من يتلقى أموالاً خارج إطار القانون أو دون ترخيص من المواطنين ويمتنع عن ردها يعاقب بالسجن المشدد وغرامة ضعف ما تلقاه» طبقاً لنص المادة 21 من القانون رقم 146 لسنة 1988، وتصل العقوبة إلى السجن 15 عاماً والغرامة 100 ألف جنيه، وقد تصل إلى رد ضعفى الأموال التى تلقاها الجانى، فضلاً عن رد قيمة ما تحصل عليه من أموال الضحايا.
وأضاف قائلاً: إن القانون هنا يحمى المغفلين خاصة أن إثبات وقوع جريمة النصب أو توظيف الأموال لا تحتاج إلى أوراق لإثباتها، ويمكن إثباتها بعدة طرق مثل تحريات الجهات الأمنية أو شهادة الشهود أو أى دليل يمكن أن يؤكد ارتكاب المتهم للجريمة.