فى أول أيام عيد الأضحى المبارك، ومع تكبيرات «الله أكبر» التى ملأت القلوب، قام متطرف يمينى على مرأى ومسمع من الجميع بحرق نسخة من القرآن الكريم فى دولة السويد، هذا المتطرف العراقى الأصل لم يكن الأول الذى أقدم على ارتكاب هذا الفعل المشين، ولن يكون الأخير، فقد تم ارتكاب مثل هذا الحادث فى الدولة نفسها عدة مرات بالسيناريو ذاته، ليسير الحدث بخطوات معروفة للجميع، وتصبح معه التوابع أيضاً من السيناريوهات المحفوظة والمعروفة، دون وجود فعل حقيقى رادع لمثل هذه الوقائع المتطرفة.
يبدأ المشهد الأول فى هذا السيناريو المعروف عادة بالحصول على إذن مسبق من الشرطة بتنظيم تظاهرة يخطط منظمها لإحراق نسخة من المصحف الشريف، ويتم تحديد المكان والزمان فى هذا الإذن لإعطاء الشرعية .. وعلى الجميع احترام القانون وتطبيقه وتنفيذه!!
ثم يأتى المشهد الثانى، وهو المشهد الرئيسى فى السيناريو، المشهد الذى يتم بناء أحداث العمل الدرامى عليه، إذ يقوم المتطرف وحده أو وسط جمع من المؤيدين بإشعال النار فى نسخة المصحف الشريف، أو تمزيق صفحاته، ثم الهذيان بكلمات سخط وكراهية للإسلام ومن يعتنقه، ثم تستعد الكاميرات لتصوير المشهد من زوايا مختلفة بلقطات متعددة، لتبدأ مرحلة البث تحت حماية الشرطة، ورعاية القانون، ومظلة حرية التعبير!!
بعد عملية البث، تقوم الدنيا ولا تقعد، فتشتعل مشاعر الغضب عند أكثر من 2 مليار مسلم، وتبدأ التظاهرات الغاضبة تجتاح الشوارع، وتبدأ معها حالات التنديد المتنوعة فى الظهور بتنوع سياسات الدول والمنظمات والجهات، وتنهال التصريحات الرافضة لهذا الفعل الاستفزازى، وتملأ دعوات المقاطعة والبيانات المستنكرة للحدث الفضاء الواسع، ثم ماذا بعد؟.. ما هى النتائج؟.. هل تم اتخاذ إجراء لمنع تكرار مثل هذه الحوادث والأفعال التى تحرض على الكراهية؟.. هل تمت معاقبة أبطال هذه الجرائم بتهمة ازدراء الأديان؟
الإجابة: لا.. لم يحدث، لتمر الأيام والشهور لنشاهد الجريمة نفسها مرة بعد أخرى، ونكون أمام سيناريو معروف مسبقاً للجميع بمشاهد مملة ونتائج وردود أفعال باهتة !!
الجديد فى هذه الواقعة التى حدثت أمام مسجد ستوكهولم المركزى فى السويد، هو اختيار التوقيت ليتزامن مع اليوم الأول لعيد الأضحى المبارك لاستفزاز أكبر عدد ممكن من المسلمين، وإحداث تأثيرات واسعة النطاق، وتحقيق نتائج مضاعفة لهذا الحدث، التجديد لم يتوقف عند هذا الحد، بل طال اختيار الفاعل هذه المرة ليكون من أصل عراقى، لتوجيه رسالة للعرب مفادها أنه ليس الغرب وحده مصابًا بالإسلاموفوبيا، وأن منكم أيها العرب من يكره الإسلام ويرى مثلنا نحن الغرب أن الإسلام دين التطرف!!
بالإضافة إلى الفاعل ذى الأصول العراقية واختيار التوقيت بعناية شديدة، تم إحداث طفرة نوعية في عملية التجديد متمثلة في موقف حلف الناتو من الواقعة، فعلى الرغم من الإدانات الواسعة للعديد من الدول الكبرى لهذا الجرم، فإن أمين عام حلف الناتو وصف إحراق المصحف بأنه عمل قانونى، ويأتى فى إطار حرية التعبير، ليزيد حالة الغضب ومشاعر الاحتقان لدى المسلمين!!
قد يكون تصريح أمين عام حلف الناتو رسالة طمأنة لدولة السويد التى تسعى إلى الانضمام لحلف شمال الأطلسى، ووسيلة من وسائل الضغط على تركيا التى تعارض هذا الانضمام، فى الوقت الذى يشتعل فيه الصراع مع روسيا.
فى النهاية.. عندما يسألونك عن قيام أحد المتطرفين بإحراق نسخة من المصحف الشريف، فقل لهم إنه سيناريو مشبوه لسياسات مشبوهة، ونتائج محفوظة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
الخلاصة.. إننا أمام مشاعر منزوعة القوى، وأمام قوى منزوعة الرحمة، وعلينا أن نملك ما يحمينا.