رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

صفية زغلول، أو كما أحب أن أسميها «أم المصريين»، كانت أكثر من مجرد زوجة لزعيم الأمة سعد باشا زغلول، كانت روح الثورة نفسها، ووجدان الأمة المتقد بالنضال والتضحية. 

ولدت صفية مصطفى فهمي في القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر، في حوالي عام 1876 أو 1878، في بيت له جذور سياسية عميقة، فقد كان والدها مصطفى فهمي باشا من أوائل رؤساء وزراء مصر، وما أن حببت السياسة في بيتها حتى صارت حياتها كلها مكرسة لقضية وطنها، مصر الحبيبة.

حينما نفي زوجها، سعد زغلول، إلى جزيرة مالطا في خضم ثورة 1919، لم تكن صفية مجرد شاهدة على الأحداث، بل كانت قلبها النابض بها، وصرخة نساء مصر التي ارتفعت من بين الأزقة والشوارع تطالب بالحرية والاستقلال. 

بيتها أصبح مركزا للحزب الوطني، و«بيت الأمة» كما صار يعرف، حيث كان يقصده الوفداء والسياسيون وكل من أراد أن يسمع كلمة الحق. 

لم تكن صفية زغلول مجرد امرأة في البيت، بل كانت رمزا للمشاركة السياسية، وللإصرار على أن المرأة المصرية لها دور لا يقل أهمية عن الرجل في صياغة مستقبل وطنها.

كانت صفية زغلول تحمل لواء الثورة بنفس شجاعة زوجها، وتتصدى للقيود الاجتماعية والسياسية التي حاولت أن تحاصرها، في عام 1924، عندما تولى زوجها رئاسة الوزراء، لم تره مجرد وزير يحكم، بل رأت فيه زعيم الأمة، وعندما قدمت الوفود تهنئتها على الوزارة الجديدة، قالت لهم «يجب أن تقدموا لي العزاء وليس التهنئة، فمهمة زعيم الأمة أكبر من أي منصب وزاري»، كلماتها تلك تعكس عمق وطنيتها وصدق شعورها بأن الكفاح من أجل الوطن أهم من أي منصب أو لقب.

بعد وفاة سعد زغلول عام 1927، لم تنس صفية أن حياتها ليست مجرد حزن أو فقد، بل مسؤولية وطنية تستمر، ظلت صامدة، تناضل، وتشارك في تعيين قيادات جديدة للحزب، وتدعم المرأة المصرية لتكون فاعلة في المجتمع والسياسة. 

وحتى في وجه التحديات والضغوط، مثل إنذار رئيس الوزراء إسماعيل صدقي لها بالتوقف عن النشاط السياسي، لم تتراجع صفية، ولم تسمح لأي تهديد أن يثني عزيمتها، بل استمرت في نشاطها الوطني بلا كلل، مؤكدة أن الولاء للوطن لا يعرف التردد.

علاقاتها مع السيدات المصريات الشهيرات مثل هدى شعراوي، كانت أيضا دليلا على مكانتها الاجتماعية والسياسية، حيث كانت تربطها شبكة من الصداقات والعلاقات التي ساعدت في تعزيز دور المرأة في الحياة العامة. 

لم تكن مجرد شخصية سياسية، بل كانت أما لكل مصري ومصرية، تهتم بالآخرين، وتحرص على رعاية شباب الأمة، وتجعل من بيتها ملاذا لكل من يبحث عن الوطنية الصادقة.

صفية زغلول لم تكن مجرد امرأة عاشت في الظل، بل كانت نموذجا للفتاة المصرية التي يمكنها أن تكون قوية وواعية ومؤثرة، كانت مثالا للزوجة المخلصة، وللمواطنة الحقيقية التي ترى أن حب الوطن هو الرسالة الأهم، وأن الكفاح من أجل الحرية هو الغاية العليا.

وعندما رحلت عن عالمنا في 12 يناير 1946، تركت وراءها إرثا من الشجاعة والعطاء، حياة غير تقليدية ومليئة بالدروس لكل من جاء بعدهم. 

وصيتها التي كتبتها قبل أيام من وفاتها، لم تكن مجرد كلمات، بل تعبير عن حياة مليئة بالكرم والتفاني، حيث أوصت بتركها لخدمها، دلالة على بساطة حياتها وصدقها.

الإرث الذي تركته صفية زغلول لا يقاس فقط بما قامت به أثناء الثورة أو بعد وفاة زوجها، بل بما زرعته في قلوب المصريين من وعي وطني، وإيمان بأهمية دور المرأة في الحياة العامة. 

فمنذ خروجها على رأس المظاهرات النسائية في ثورة 1919، إلى استمرار نشاطها السياسي والاجتماعي، كانت صفية رمزا للمرأة المصرية القوية، التي لا تعرف الاستسلام، والتي تؤمن بأن الوطن أغلى من أي شيء. 

اليوم، عندما نمشي في القاهرة، نجد ميدانا ومستشفى ومحطات مترو تحمل اسمها، لتظل ذكراها حية، وتلهم كل جيل جديد من المصريين بأن الوطنية ليست كلمات على ورق، بل أفعال تكتب بحياة الأبطال الحقيقيين.

صفية زغلول كانت وما زالت نموذجا حيا لكل من يريد أن يعرف كيف يمكن لشخص أن يغير مجرى التاريخ دون أن يكون في السلطة، كيف يمكن للمرأة أن تكون في قلب الأحداث، وكيف يمكن للوطنية أن تتجسد في كل موقف، في كل كلمة، وفي كل خطوة. 

«أم المصريين» كانت وستظل شعلة مضيئة لكل من يعتز بمصر، وللكل من يؤمن أن حب الوطن يبدأ بالعمل والإخلاص والتضحية، وأن التاريخ يصنع بالرجال والنساء الذين لا يعرفون الخوف.