عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

تعتبر الزراعة من أهم المهن التى مارسها الإنسان المصرى القديم، وعمل بها قطاع كبير من الشعب، وهى المورد الخصب الذى أكسب مصر حضارتها، وكانت الأسس الأولى لهذه المهنة قد وضعت منذ عصور ما قبل التاريخ، إذ قام رواد الحضارة الأوائل عندما قدموا إلى ضفاف النيل بإزالة الأحراش والغابات وتنظيم جريان النيل وشق الترع والقنوات، فعملت تلك الجهود على نمو الحضارة وتوفير القوت، كما أن أبرز ما يميز الحضارة المصرية وتاريخها هو نهر النيل الذى يعد مصدر الحياة والخصب، مما حدا بالإنسان المصرى القديم، إلى مراقبة فيضانات النيل بعين الحذر، وأن يعمل على تنظيمها، لذلك اهتمت الدولة اهتماماً بالغاً بالنيل وصل إلى حد التقديس، وقد حظيت الزراعة برعاية واهتمام ملوك مصر، كما كانت تخضع لتوجيه وإشراف الدولة، فكان بين موظفيها المشرفون على صوامع الغلال ومحاصيل الأقاليم، وقد حرص ملوك مصر فى عصر المملكة الحديثة على تنمية الزراعة، وتنويع المحاصيل الزراعية من خلال جلب النباتات التى لم تكن معروفة فى مصر.

كان الفلاح المصرى القديم يشرع فى تمهيد الأرض وإعدادها للزراعة، وكان ذلك يتطلب شق الترع والقنوات، وبعدها يقوم بحرث الأرض وتفتيت ما على سطحها من كتل الطمى الكبيرة، وقد استعمل الأبقار والثيران لهذا الغرض، وحيث تنتهى عملية حرث الأرض تبدأ عملية أخرى وهى البذر، وكان يشرف على توزيع البذور موظف خاص إذا كانت ملكية الأرض تابعة للملك ويدعى كاتب الحبوب، حتى أن الأرض كانت فى عهد المملكة الحديثة باستثناء المعابد ملكاً للملك من الناحية النظرية وهى تؤجر إلى ملاك مختلفين أو تستبقى لاستغلالها، وكان الفلاحون يدينون بالولاء لهذا الموظف الذى يوضع على رأسهم، وكانوا مسئولين عن زراعة الأرض التى كان يسمح لهم بجانب من إنتاجها ليعيشوا عليه، وكان هذا هو أجرهم.

كان الفلاح دائم المرور على حقله ينقى المحصول من الشوائب، ويعتنى به، ويرعاه ويحدد نموه حتى يبلغ تمام نضجه وعندئذ تبدأ عملية الحصاد، ويربط المحصول بعد أن يكيل من قبل موظف خاص من المرتبة، وكان الويل ثم الويل للفلاح الذى يخفى جزءاً من محصوله أو الذى لا يستطيع تسليم رجال السلطة الرسمية كمية المحصول التى أظهرت عملية المساحة قدرة حقله على تقديمها، حتى ولو كان الفلاح أميناً حسن النية، عندئذ يلقى أرضاً ويضرب ضربات متوالية بالعصا، وقد ينتظره مصائب أشد وأنكى.

كان الفلاح المصرى القديم يأنف من السخرة، ووجدت بردية محفوظة فى بروكلين تحتوى على أسماء 77 شخصاً غالبيتهم من الرجال، فرضت عليهم العقوبات لهروبهم من العمل بالسخرة، ولم تقتصر العقوبات الموقعة عليهم على الجزاءات المعتادة، بل امتدت لتشمل ذويهم الذين كانت تأخذ منهم رهائن فى بعض الأحوال، لقد احتكر الملوك بعض الأنشطة الاقتصادية حتى أن الدولة كانت تحدد المساحة التى يتعين على الفلاح زراعتها ببعض المحاصيل، كما كانت تنظم حق المزارعين من الانتفاع ببعض الأراضى الزراعية، أما عن كيفية معرفة مساحة الأرض التى كانت تعد أساساً فى تقدير الثروة الزراعية فقد استخدموا الحبل ذا العقدة توطئة لجباية الضرائب عليها من جهة، وللتأكد من عدم التلاعب فى الحدود من جهة أخرى، وكانت الضرائب التى تفرض على الفلاحين فهى عبارة عن ضرائب تؤدى فى صور محاصيل عينية وخدمات لم تختلف تماماً فى أيام الرومان لأن منح حق استغلال الأرض الزراعية المملوكة للأهلية فى مجتمع زراعى كمصر، إنما كان يصدر عادة من كبير المجتمع، مقابل تقديم مواد غذائية له أو إعالته لمدة أيام معلومة أو مقابل قدر معين من الحنطة أو عدد من الماشية، وقد استمر العمل بهذه الضرائب إلى عصور متأخرة من تاريخ مصر القديم.

أما أسعار الأراضى فإن أقدم تقييم موثوق فيه عن أسعار الأراضى فيرجع لعهد تحتمس الثالث، فالأرض التى تبلغ مساحتها أرورا واحد تساوى 15 جراماً من الفضة، وهو سعر بخس بالمقارنة بأسعار العبيد، كان المصريون القدماء يتخذون من الحجارة أدوات لقطع الأشجار ومناجل لحصد الغلال، وقد استخدموا الآلات الزراعية وأدواتها إلى اليوم، وتعد الفأس أول أداة ابتكرها المصريون القدماء، فهى أقدم أدوات الزراعة، وقد استعان بها الفلاح فى عزق الأرض منذ عصر ما قبل الأسرات، وكان المحراث حتى عصر الرعامسة الآلة البدائية التى صنعها الفلاحون المصريون الأوائل فى العهود القديمة وحتى العصر المتأخر والذى يضم الأسرة السادسة والعشرين حتى الأسرة الثلاثين، وأدرك الإنسان المصرى القديم منذ أقدم العصور أن ماء النهر هو عماد حياته، فاجتهد فى تهذيب النهر وشق القنوات والترع حتى غدت بلاده شبكة من القنوات يوجهها فى أرضه الصالحة للزراعة، كذلك حرص على رعاية القنوات وتطهيرها وتعميقها وتخليصها من الغرين الذى يسد مسالكها.

عرفت مصر فى عصر الملكية الحديثة الكثير من المحاصيل الزراعية التى ورثتها عن العصور السابقة، وفى نفس الوقت حرص بعض ملوك هذا العصر على جلب الكثير من النباتات، وكان أهمها القمح والشعير بأنواعهما المختلفة، وظلت زراعة الحبوب الزراعية الأساسية فى مصر طوال عهود التاريخ، وكانت حقول القمح والشعير تمتد دون انقطاع من الدلتا حتى الشلال الأول، وقد عثر على حبوب القمح فى قبر أحد الكهان من عهد تحتمس الرابع من الأسرة الثامنة عشرة، كما عثر على عيدان قمح فى تل العمارنة، ووجدت مقادير من القمح فى قبر توت عنخ آمون بطيبة، كما وجد قمح عار وأغلفة من حبوب القمح بالدير البحرى بطيبة.