رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

تميز نجيب محفوظ أن يجعل المتلقى دومًا فى حالة جذب لأن يعود للعمل بأريحية.. ويشعر فى ذلك بدرجة من السعادة والفرح.. هذا الشعور مهم، خاصة أن المتلقى فى حالة من التوعك ويحب الاسترخاء، فيجد عند نجيب تلك المتعة وهو يتابع أحداث روايته.. هو قادر كما يقول يحيى حقى (أن ينفذ إلى روحك نفاذ أبخرة الخمر، لطيفًا مترفقًا مهذبًا، أنه يملك دون أن تحس أنه يأسرك أيضاً).. وتلك سمة من سمات الإبداع التى يلتفت إليها يحيى حقى.. هى قدرة المبدع أن يأسرك وينفذ إلى روحك بشكل لطيف وجميل فتشعر أنك مرتبط به.

من تلك الملاحظات نخرج ببعض النقاط النقدية التى عرضها يحيى حقى نتيجة قراءته للعمل الرائع (الثلاثية). هى مجرد ملاحظات ذكرها وهو فى حالة من التوعك ـ ولم يخصص صفحات للدراسة والنقد.. لكنك تتمكن أن تلتقط منها نقاط نقدية رائعة وتلك هى روعة المبدع عندما يدخل إلى عالم النقد.. فنجده ساحرًا ومتميزًا كعادته.

لكن عندما نلتقى بالأعمال الأخطبوطية مثل (اللص والكلاب) فهو لا ينصحك بتناولها وأنت فى حالة التوعك.. لأنها رواية أخطبوطية هى تتملكك ولا يمكن أن تتخلص منها إلا بعد أن تنهيها.. هى تجعلك تلهث دومًا مثل لهاث الكلاب وهذا غير مفيد لصحتك.. فلابد أن تكون مستعدًا لذلك اللهاث ولذلك الالتصاق الأخطبوطى.. الحال والمختبئ فى (اللص والكلاب)، ناهيك أن اللص والكلاب تمتلئ بالأبعاد الفكرية والإيديولوجية التى تحتاج لعقل مرتاح ومستعد كى يلتقط كل خيط فيها.

اللص والكلاب لها أكثر من قراءة.. فهناك القراءة العامة التى لا تقف ولا تتأمل الأحداث ومعناها ومغزاها..هى قراءة العامة.. ولكن هناك قراءة أخرى تقف عند الأحداث وسلوك وأقوال الأبطال فيها.. فتتعاطف مع (س) ولا تتعاطف مع (ص) وتشعر بالسرور والارتياح بعد القراءة، ولكن هناك قراءة ثالثة وهى لقلة من القراء لديهم القدرة على الوقوف عند كل حدث، وتحليل كل حدث وربط كل حدث بالسابق، ناهيك عن رصد التغيرات والتبدلات فى أفعال الأبطال داخل النص.. ناهيك أيضاً عن البحث عن الفكر والإيديولوجيات داخل النص وداخل تفاعل الشخصيات.. فيكفى مثلًا أن تتأمل موقف رءوف علوان المفكر الاشتراكى والناصح (لسعيد مهران).. ما الذى حدث له.. لقد غير مواقفه وآراءه، تلك هى آفة أو العاهة التى تميزه وتوضح حقيقة (رءوف علوان).. وكان ضحيته سعيد مهران الذى كان يصدقه وكان يعتبره أستاذه وقدوته.. ما أقسى على الذات أن تجد من كانوا بمثابة المثل والقدوة تجدهم فى الحضيض، هنا تشعر الذات بالضياع التام فى الحياة.. أن الوقوف عند ذلك الجدل بين رءوف علوان وسعيد مهران.. كفيل أن يشعرك بالمتعة والروعة.. والبعد المستقبلى الذى كان نجيب محفوظ على وعى ودراية به.. وهى أن المفكر الاشتراكى بشكل عام يتسم بالازدواجية إنها عاهة داخلية تحتاج للذكاء لكى نراها ونرصدها.. قضية مهمة اهتممت بها فى الماضى وأخرجت عنها كتاب بعنوان (المفكر الاشتراكى فى أدب نجيب محفوظ).. هى قراءة مجهدة تحتاج لمجهود ذهنى كبير، ولذلك وجدنا يحيى لا ينصح بقراءتها إلا إذا كنت مستعدًا لذلك القراءة، وبعد قراءتها تشعر بالمتعة واللذة والسرور والبهجة التى تسرى داخلك وتتقاذفك الكثير والكثير من الأسئلة. وكل ذلك دليل على روعة نجيب محفوظ.

 

د. حسن يوسف طه – أستاذ الفلسفة وعلم الجمال – أكاديمية الفنون