رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

حادث حرق المصحف على يد متطرف سويدى ليس الأول ولن يكون الأخير وهو ما يعنى ضرورة التعامل معه بما يتناسب مع طبيعته والتمعن فى الملابسات التى أحاطت به وأدت إلى حدوثه. لقد وقع الأمر خلال مظاهرة فى العاصمة السويدية السبت الماضى ستوكهولم أمام السفارة التركية هناك على خلفية الاحتجاج على مواقف لأنقرة بشأن علاقاتها ببلادهم. وإذا وضعنا فى الاعتبار أن تركيا فى أذهان لدى الكثير من المواطنين الغربيين تمثل الإسلام لاعتبارات تاريخية عديدة أمكن لنا أن نفهم لماذا أقدم ذلك المواطن السويدى على ذلك العمل الذى ربما يمثل من وجهة نظره أقصى عملية استفزاز للخصم ومحاولة النيل منه.

غير أن الملاحظ أن ردود الفعل والتعامل مع ذلك الأمر هذه المرة يتسم بأكبر قدر من التزام ضبط النفس من قبل الجانب الإسلامى والغربى والرغبة المتبادلة فى احتواء الموقف وعدم تصعيده وهو ربما يمثل من وجهة نظرنا سلوكا رشيدا يعكس النهج الذى يجب أن يتم التعامل به مع مثل هذه القضايا. طبعا من حق المسلمين أن يعربوا عن غيرتهم ورفضهم لأى إساءة للقرآن بكافة الأشكال التى تقرها الأعراف وعلاقات الدول، وبما يوفر المناخ الذى لا يتكرر معه مثل هذا الأمر أو على الأقل أن يشعر الطرف الآخر بأنه لن يمر دون وقفة.

قراءة فى مواقف الأطراف المختلفة تعزز هذا الطرح حيث أعلن رئيس الوزراء السويدى تنديده بالحادث معتبرا أنه عمل مشين للغاية مع الإعراب عن تعاطفه مع جميع المسلمين الذين شعروا بالإساءة بسبب ما حدث فى ستوكهولم مع التأكيد فى الوقت ذاته على أن حرية التعبير لا تعنى بالضرورة حرق كتب تمثل قدسية للكثيرين. فى ذات الوقت الذى أدانت فيه الخارجية الأمريكية ونظيرتها الألمانية هذا العمل حيث اعتبرت الولايات المتحدة العمل مهين للغاية والبغيض ومثير للاشمئزاز وهو ما أكدته الخارجية الألمانية التى رأت أنه عمل استفزازى يهدف إلى آثار الانقسام.

على صعيد الموقف فى العالم الإسلامى وعلى الصعيد الرسمى فقد حظى العمل بإدانات واسعة من أغلب الدول وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات وباكستان وغيرهم. أما الموقف الأهم والأبرز فهو موقف الأزهر الذى دعا إلى مقاطعة جميع المنتجات السويدية وكذلك الهولندية– بعد إقدام قيادى فى حركة سياسية هناك بتمزيق نسخة من المصحف أمام البرلمان الهولندي- بكافة أنواعها واتخاذ موقف قوى وموحد لنصرة كتاب الله مشددا على ضرورة التزام الشعوب الإسلامية بهذه المقاطعة وتعريف أطفالهم وشبابهم بها.

سبب مثل هذه الدعوة للتريث والتعقل فى رد الفعل هو حقيقة أن هذا الفعل – على بشاعته – ليس سوى مظهر لعمل سياسى يأتى على خلفية ضيقة خاصة بعلاقات السويد وتركيا، فهذه الأخيرة باعتبارها عضوًا فى حلف الأطلسى تقف عقبة أمام انضمام السويد للناتو، وهى فى ذلك تحاول أن تصفى حسابات سياسية تتعلق بموقف الأولى من الأزمة الكردية وخلافه. وقد جاء المصحف والإسلام فى منتصف الطريق رغم أنه لا علاقة له من بعيد ولا من قريب بالموضوع. وفى ضوء حقيقة أن العالم قائم الآن على تغليب لغة المصالح وهو الأمر الذى ظهر من أنقرة بشكل خاص فى العديد من الأزمات، فمن المتوقع أن يتم التوصل إلى تسوية ما للموضوع حيث لن يترك الغرب موضوع عضوية السويد بيد الأتراك بالطبع.

حتى لو لم يتم التوصل إلى تسوية، فإن المنطق يقرر أننا لا يجب أن نسمح باختصار أن يكون المصحف أو الإسلام بيدقًا بيد هذا الطرف أو ذاك، حيث إن علاقات البلدين فى النهاية قد تنتهى لتكون سمنًا على عسل فيما لا يبقى فى الأذهان سوى مشهد حرق المصحف ليضيف المزيد من ميراث الكراهية غير المطلوبة ليس بين تركيا والسويد وإنما بين العالم الإسلامى والغرب بشكل أشمل، وذلك هو الأفق الأهم فى النظر للأزمة.

 

 

[email protected]