رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى سنة 1995 أصيب الصحفى الفرنسى جان دومينيك بوبى بجلطة حادة، وبعد عشرين يوماً من الإصابة استيقظ «بوبى» ليجد نفسه غير قادر على الكلام أو الحركة، أصيب «بوبى» بحالة تسمى متلازمة المنحبس، وهى حالة يصاب فيها المريض بشلل فى معظم أجزاء الجسم مع بقاء العقل فى حالة وعى كامل.

- فى حالة دومينيك بوبى كان العضو الوحيد الذى نجا من الشلل هو رمش جفنه الأيسر، وأصبح هذا الجفن بهذا الرمش هو وسيلة تواصله الوحيدة مع العالم الخارجى، أصبح هذا الرمش الأيسر هو اللسان، هو مرآة مشاعر الغضب والفرحة والحزن والأمل والألم والتأمل والإحباط.

كيف يمكن لإنسان فى مثل هذه الحالة أن يقاوم ويستمر، ولا يستسلم للموت تحت شعار حالة مَرضيَّة أطلق عليها الأطباء «متلازمة المنحبس»، إنه مجرد وصف مهذب للتعبير عن كونك حياً وأنت ميت على قيد الحياة.
كيف يمكن لهذا الصحفى أن يكتب مرة أخرى، كيف له أن يعبِّر ويصف ويدوِّن ويوثِّق ما رأته عيناه يوماً ما؟، كيف يمكن ذلك، وهناك الكثير والكثير ما زال يحتاج إلى الوصف والكتابة؟
هذا الصحفى قرر أن يخرج من هذه الحالة مستخدماً العضو الوحيد الذى بقى قادراً على الحركة، وكتب روايته «بذلة الغوص والفراشة» مستخدماً هذا الرمش الأيسر بـ200 ألف حركة منه.
تواصل «بوبى» مع محدثه من خلال وضع الحروف الأبجدية أمامه والحرف الذى يريده يحرك رمشه للموافقة، وكانت هذه طريقة الكتابة والتواصل بينهما، وحرف وراء آخر وحركة وراء أخرى تكونت الكلمات والجمل ليخرج لنا هذه الرواية الرائعة «بذلة الغوص والفراشة»، متخطياً بها كل حواجز الألم والمعاناة، قافزاً فوق أسوار هذا العجز المطلق.
تخيل هذه المعاناة وهذا الصبر والدأب فى الكتابة، هذا الإصرار والتحدى على الخروج من مرحلة الوعى الصامت إلى مرحلة الوعى الصارخ المدوى فى الفضاء الواسع.

قرر «بوبى» أن يخرج من هذا الحبس، وأن يحرر الروح من زنزانة الجسد، وسجل رحلته فى هذا الكتاب باستخدام شفرته الخاصة ومنطقه الخاص وأبجديته الفريدة، متجولاً فى عالمه الخاص، عالم لا يعرف اليأس و الإحباط أو الاستسلام.

يقول «بوبى»: إنه بعيداً عن الجلبة التى كانت أحياناً تُحيط به فى المستشفى وفى الصمت، كان بإمكانه الاستماع إلى الفراشات الطائرة عبر رأسه، كان الأمر يتطلب منه كثيراً من الانتباه والتأمل، لأن خفقات أجنحتها تكاد لا تدرك، وأنه يكفى تنفس قوى ليغطيها، وأن الأمر المذهل أنه رغم عدم تحسن سمعه، كان يسمعها أفضل وأفضل.

فى النهاية.. تبقي الإرادة الكامنة في الوعي الكامل هي سر «دومينيك بوبي» للانتقال من الموت إلى الحياة.. إنه الوعي والوعي فقط.

[email protected]