رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى كتاب (فن الرواية).. تأليف: ميلان كونديرا، ترجمة: بدر الدين عرودكى استوقفتنى تلك العبارة (إن أعظم سعادة عرفها جاروسيل تمثلت فى الإحساس برأس فتاة على كتفه).. كان رأس فتاة يعنى فى نظره شيئا أهم من جسدها. والسؤال لماذا كان هذا رأيه؟ فماذا يعنى رأس الفتاة بالنسبة له؟.. يعنى أن تلك اللحظة توقظه على الذى لم يعد موجودا، هى عودة لما قد رحل إنه استيقاظ لما هو إنسانى رائع وجميل، ورغبة من الذات فى أن يوجد ويمتد.. إدراك لانفعال ربما غاب أو توارى أو تم تناسيه مع سريان العمر والوصول إلى مرحلة الرشد.. إنها لحظة (الحنان).. فماذا يعنى الحنان؟ مفهوم الحنان يُعرّف الحنان فى اللغة العربية بأنّه الشعور الرقيق والإحساس بالعطف والرحمة، أمّا فى الاصطلاح فهو الشعور بالعطف تجاه الآخرين والحرص عليهم من أيّ أذى، ويُتَرجم هذا الشعور عبر العديد من السلوكيات التى تجعلنا نُميّز الشخص الحنون من غيره وأهمها: الحرص على حاجيات الآخرين كالمأكل، والنوم براحة، يؤدى غيابها خلال المراحل العمرية الأُولى للأطفال والمراهقين إلى الانحراف والفساد الأخلاقي؛ وذلك لأن الدفء والحنان يُساهمان فى تهذيب النفس وتقويمها.

ولحظة الحنان هى إدراك للعمر الذى انسرب مع الزمن.. أيام الطفولة ووضع الرأس على صدر الأم فتشعر بالحنان والاطمئنان.. فى تلك اللحظة لا تشعر بأدنى إحساس بالمخاوف أو الرعب من أى شىء.. فالحنان هنا يحتويك ويحميك وهذا ما فقدناه عندما دخلنا إلى مرحلة النضج أو الرشد.. وفى اللحظة التى تضع الفتاة رأسها على صدر الرجل هنا يكون الحنان والاحتواء والاطمئنان.

على أنه ينبغى أن نلتفت إلى أن الجسد هنا ليس مهملا أو غائبا، وإنما المقصود هو أن ذلك الوجه وذلك الحنان يعطيه ويمنحه ذلك الجسد كبرهان على الحب.. وهنا ينبغى التوقف للفهم.. لنعى وأن نعرف الفرق بين إعطاء الجسد كشىء أو ككتلة من أجل إرضاء رغبة ما، ما تلبث أن تنتهى، وبين الجسد المعطى والمفعم بالحنان والحيوية والبرهان على عاطفة الحب.. فالحب عندما يكتمل بين الرجل والمرأة تكون هناك الكثير من المتداخلات فى تلك اللحظة.. فالحب يحتوى الجسد ويحتوى الذات الجوانية لكلا الطرفين.. لا فائدة ولا معنى ولا متعة للجسد إذا افتقد ذلك الاحتواء وذلك الحنان وتلك الجدلية بين ما هو جسدى وما هو سيكولوجي.

إن السعادة هى تلك الجدلية بين الرأس والجسد، بين لحظة الحنان المتدفق وبين جسد منفتح على الآخر، ذلك التلاقى بين الاثنين هو الذى يحدث السعادة.. والشعور بالراحة النفسية والارتواء سواء على المستوى الوجدانى أو المستوى الجسدى، إن إدراك تلك المعانى هام وضرورى إذا كنا نريد بناء مجتمع قائم على الفهم الصحيح والجيد لعلاقة الرجل والمرأة، وأن تنتفى فكرة المرأة المقهورة نفسيا لتتحول إلى مجرد شىء أو إلى جسد مفقود الإحساس أو مفتقد لكل ما هو إنسانى.. إن سعادة (جاروسيل) كانت منطلقة من ذلك الإحساس الإنسانى المتكامل بين رأس الفتاة التى تفعمه بالحنان وبالجسد المنفتح للاحتواء والذى يبرهن على الحب.. تلك العلاقة هى قمة الإنسانية وقمة السعادة.

 

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال

أكاديمية الفنون