عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وذهبت إلى غرفة رئيس النيابة. إننى لا أزال أذكر لقبه فهو من عائلة نور المشهورة ووجدت فى القاعة عددا ضخما من علماء الأزهر جاءوا ليناقشونى فى الموضوع أمام رئيس النيابة بناء على دعوته إياهم، وأذكر أن النقاش امتد بيننا طويلا حتى تعبوا. عندئذ قال أحد العلماء لرئيس النيابة: يا صاحب السعادة: ليس عندى ما أقوله فى هذا المقام إلا ما قاله ابن حزم فى الأشعرى: «الأشعرى كافر حلال الدم». وقال آخر: «وهذا دم ضيعه أهله».غير أن الجدل استمر بعد ذلك طويلا حتى صاح الشيخ الابيارى فجأة من شدة الصداع وهو يضع كفيه على صدغيه: يا صاحب السعادة.. اطلب لى فنجانا من القهوة. وسكت طه حسين قليلا ورجع إلى الوراء كأنما ليتذكر شيئا جديدا ثم قال لى: ومن الغريب أننى أمليت الجزء الثانى فى فرنسا وأنا فى أزمة كذلك، كنت وقتئذ عميدا لكلية الآداب وحدث نزاع بينى وبين الحكومة بسبب كتاب لبرنارد شو كان يدرس فى الكلية رأت الحكومة فيه شيئا لا يرضيها. وكان وزير المعارف فى ذلك الوقت هو المرحوم الدكتور هيكل فى وزارة محمد محمود. وفوجئت بمظاهرة تعبر إلى حجرتى كانت مؤلفة من طلبة الحقوق كلفوا بالهجوم عليّ. عندئذ رأيت أنه لا مفر من الاستقالة، ثم سافرت إلى فرنسا فأمليت الجزء الثانى من كتاب الأيام.

قلت للدكتور طه: أليس من الغريب أن يكون الهرب من الحياة الواقعية سببًا فى أن تكتب للأدب العربى قصة واقعية؟ قال: نعم.. هذا غريب..قلت فى نفسى: إن الأزمة تخلق البطل وتمنح المعجزة. وكانت خواطرى أو جزء منها مع فنان بعيد منح الأدب العالمى كثيرا مما منح نتيجة لأزماته. دوستويفسكى الذى قال لدائنيه وهم يطرقون عليه الباب وهو يكتب:«إننى مدين لكم بأكثر من المال» لأنهم كانوا يدفعونه إلى الكتابة. ثم قلت لعميد الأدب وأنا أنظر إليه وكأنى انظر إلى احد المحاربين القدامى الذين لم يلقوا السلاح، وجهت إليه السؤال التالى: لا تزال المعركة بين القديم والجديد قائمة وإن تغيرت الأرض والأسلحة والاغراض. وقد رفعتم لواء هذه المعركة فى أوائل هذا القرن (يقصد القرن الماضي).فهل من ذكريات عنها؟ قال الدكتور طه: كنت مشرفا على صفحة الأدب فى جريدة السياسة، وكانت الأمور تمشى عادية جدا حتى جاء مقال بعنوان «رسالة عتاب إلى صديق» وكانت من المرحوم مصطفى صادق الرافعى. وأقول لك الحق: إننى قرأت الرسالة بإمعان شديد وضقت بها أشد الضيق. ثم عدت فقرأتها فاشتد ضيقى؛ لأنها كانت مكتوبة بأسلوب لا يطاق. عندئذ نشرتها مع تعليق عليها. أذكر أننى قلت فيه: إن الاسلوب الذى كتبت به هذه الرسالة أصبح لا يلائم روح العصر، ولابد أن تتحرر الكتابة من جديد من الأغلال التى يفرضها عليها الرافعي. وكان الرافعى سريع الغضب رد ردا عنيفا ورددت ردا أعنف، ومن هنا قامت المشكلة بين القدامى والمحدثين. واشترك فى هذه المعركة العقاد والمازني، وكان من أثر ذلك أن ألف الرافعى كتاب (على السفور) ضد العقاد، ثم ألف كتاب (تحت راية القرآن) ردا على كتاب (الشعر الجاهلي) الذى سبق الحديث عنه وكانت مقالات الرافعى عنى أقرب إلى الشتم بل ربما كانت شتما صريحا جارحا وكانت تنشر فى إحدى الصحف اليومية وأظنها (كوكب الشرق).

وضحك الدكتور طه حسين كأنما ليمهد لاعتراف قبل أن يقول: وهكذا اشتدت الخصومة.. اشتدت إلى حد أننى كنت أهاجم كل كتاب يظهر لمصطفى صادق الرافعى، لكننى لا أزال أقرر إن أحسن كتاب له هو (الرواية والرواة) والمعركة لا تزال قائمة حتى اليوم كما قلت.

 

د. حسن يوسف طه – أستاذ الفلسفة وعلم الجمال – أكاديمية الفنون