رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صفحات من تاريخ الوطن (٢٣)

كانت وما زالت العلاقات بين المصريين يسودها التناغم والصفاء، بغض النظر عن الانتماء الدينى أو المذهبى، وذلك بحكم ما يقتسمونه دائمًا من مصير واحد فى الأفراح والأتراح، حيث تمكن خير النيل الصافى من تنقية قلوبهم بالمحبة والود، وتمكن توسط الموقع من تعزيز روح التسامح فى نفوسهم، وحتى عندما كان مرض الطائفية ينجح فى بعض الوقت التسرب إلى مصرنا الحبيبة، ما تلبث أن تنجح فى التغلب عليه فى الوقت المناسب.

حينما دخل الاحتلال البريطانى إلى مصر، سعى رجاله إلى تفريق المصريين ما بين مسلم وقبطى، بحجة أن الاقباط هم أشقاء لهم فى الدين، ولكن أثبت الاقباط أن رحم الوطن أقرب وأقوى، حتى إن اللورد كرومر رجل الاستعمار البريطانى الشهير لم يملك بعد خروجه من مصر إلا أن يسجل فى كتابه الشهير «مصر الحديثة» مقولته الخالدة «لم أجد فى مصر فرقًا بين المصريين، إلا أن أحدهما يذهب عند الصلاة إلى المسجد، والآخر إلى الكنيسة».

فى نهاية العقد الأول من القرن العشرين، وعندما نفثت إلى صدور المصريين بعض مشاعر الطائفية البغيضة على أثر مقتل بطرس باشا غالى رئيس وزراء مصر وذلك لأسباب سياسية، ما لبث أن أسرع عقلاء المصريين من المسلمين والأقباط لإطفاء نيران هذه الفتنة، حتى إن نجل الفقيد الأكبر «واصف باشا غالى» – أحد أبرز قيادات ثورة 1919 ووزير خارجية مصر فى ظل حكومة الوفد فيما بعد – أن أعلن بصوت جهورى أن وحدة المصريين أهم من دماء أبيه.

وتأتى ثورة ١٩١٩ لتتوج هذه الوحدة وتقدم الدليل الأكيد عليها.

ففى يوم السبت الموافق ٢٠ إبريل عام ١٩١٩م وهو الموافق لعيد الفصح عند الطوائف المسيحية، تحول هذا اليوم إلى عيد قومى عام ظهر فيه التضامن بأجلى مظاهره، فقد ذهبت وفود المسلمين إلى دار بطريركية الأقباط الأرثوذكس والبطريركية المارونية مهنئين إخوانهم الأقباط بعيدهم، وهناك خطب الخطباء من العنصرين فأكدوا بذلك روابط المودة والإخاء بينهما.. ولم تكن المرأة المصرية بأقل حرصًا على قيمة الوحدة الوطنية، ففى يوم عيد الفصح ذهب أيضاً وفد من السيدات القبطيات إلى مسجد السيدة زينب، حيث كان فى انتظارهن فريق من السيدات المسلمات، وقد ذهب أولئك لرد التهنئة لهؤلاء فكان ذلك حادثاً فذاً فى التاريخ.

كما أفرزت ثورة 1919 شخصية القمص سرجيوس، رجل الدين المسيحى الذى لم يتردد أن يشارك إخوانه من رجال الأزهر الشريف فى حث المصريين على الثورة ضد الاحتلال البريطانى، فمن مواقفه الخالدة أنه صعد يومًا منبر الجامع الأزهر مردداً بأعلى صوته «أنا مصرى أولًا ومصرى ثانيًا ومصرى ثالثًا لا فرق بين مسلم ومسيحى وإذا كانت الحالة تدعو للتضحية بمليون قبطى فى سبيل الحرية بل وبسائر المصريين فإن التضحية واجبة وثمنها غير ضائع».

أيضا أفرزت ثورة 1919 شخصية مصرية عظيمة وهى شخصية مكرم عبيد باشا، الزعيم الوفدى الشهير، والذى وصفه الدكتور مصطفى الفقى فى كتابه «الاقباط فى السياسة المصرية – مكرم عبيد ودوره فى الحياة السياسة « بأنه مهندس الوحدة الوطنية»، وهو بحق كان كذلك، فقد أخذ الرجل يستغل ملكته اللغوية فى تدبيج الخطب الحماسية لحث المصريين على الوحدة الوطنية ونبذ الفرقة، فنجده يحدثنا فى إحدى خطبه قائلا» نحن مسلمون وطنًا ونصارى دينًا، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارا.. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين».

عزيزى القارئ.

- الحق لست أخفى أننى أورد هذه الوقائع التاريخية ردا على الفتاوى والاراء العبثية الشاذة التى لامحل لها من الإعراب والتى يصدرها البعض–إن جاز لى التعبير- قليلى البضاعة العلمية - فهم بذلك يشقون الصف ويضعفون جبهته الوطنية.

 - أيضا لست أخفى أننى أتمنى على ضرورة أن تستعيد مصر وجها الحضارى اللائق بها كى تصبح أعياد المسلمين والأقباط أعيادا قومية عامة تؤكد على تمسك الجميع بالوحدة الوطنية وعلى احترام كل طرف لمعتقدات الآخر.

 واخيرًا..

 لا أملك بعد كل ذلك ألا أن أعود ودون ملل إلى تكرار الأسئلة الملحة على وجدانى.. ماذا جرى لمصر أقباطا ومسلمين؟ ومن المسئول عن ذلك؟ ومتى تتخلص مصر من مرض التطرف الدينى.. وكيف؟

وللحديث بقية

عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين عن حزب التجمع