حكاية وطن
قوانين الإصلاح السياسى ومعها قانون تنظيم الأحزاب السياسية لابد أن يكون لها نصيب من المراجعة خلال الحوار الوطنى الذى أسندت إدارته للهيئة الوطنية للتدريب بعد اقتراحه من الرئيس السيسى، فقد بات ضروريًا الاتفاق على نظام انتخابى يتيح للأحزاب السياسية المنافسة لتفعيل المادة الخامسة من الدستور التى تؤكد قيام النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة ويحدث ذلك بإجراء عملية ريجيم قاسية للأحزاب السياسية الموجودة على الساحة عن طريق الدمج أو تعديل قانون تنظيم الأحزاب السياسية لتعديل نظام إنشاء الأحزاب لإنهاء ظاهرة الأحزاب العائلية، وأحزاب الواجهة واليفط وأحزاب شراء المناصب.
الهدف من وجود الأحزاب السياسية هى المنافسة فى الانتخابات ليخرج منها حزب الأغلبية الذى يقف فى ظهر الحكومة تحت قبة البرلمان، يساند قراراتها ويحميها من غضبة البرلمان أثناء تمرير مشروعات القوانين أو مناقشة السياسة العامة أو الاستجوابات، وجود حكومة بدون ظهير سياسى برلمانى يجعل الحكومة تقف دائمًا فى مرمى النقد حتى ولو كان من باب استعراض العضلات ضدها مما يفقدها السيطرة فى إدارة شئون الدولة بقصد تعجيزها، لكن فى وجود الأغلبية أو حتى فى وجود ثلاثة أحزاب قوية تدير العملية السياسية داخل البرلمان والشارع يحدث التوازن والتوصل إلى قرارات وإجراءات حكومية وبرلمانية تلقى القبول من الشارع فى ظل وجود مؤيدين ومعارضين قادرين على الوصول لاتفاق يحقق الصالح العام.
النظام الانتخابى الجيد هو السبيل لتمثيل برلمانى مناسب تحت القبة يحقق اختيارات الشعب من خلال منافسة شريفة بين مرشحى الأحزاب المختلفة، الدستور الحالى «2014» تخلص من أزمة خلال دستور «71» أدت إلى إبطال انتخابات مجلس الشعب مرتين إحداهما عندما انحاز القانون للسيدات، والمرة الثانية عندما حرم المستقلين من الترشح، وترك الدستور الحالى مهمة اختيار النظام الانتخابى الملائم للقانون الذى يصدره مجلس النواب، حيث جرت انتخابات المجلس السابقة بالجميع بين النظامين الفردى والقائمة المغلقة المطلقة، وكان الهدف من القائمة المغلقة هو قطع الطريق أمام التيارات المتطرفة من خوض الانتخابات، ولكن لهذه القائمة «المغلقة» عيوب عديدة أهمها عدم تمثيل بعض الأحزاب، وإهدار الأصوات، هناك شبه ميول للعودة إلى نظام القائمة النسبية التى تحسب المقاعد طبقا لعدد الأصوات، كما تيتح القائمة النسبية قطع الطريق أمام تدفق المال السياسى، وإن كان قد يستخدم لصالح المرشحين على رؤوس القوائم النسبية، إلا أن إيجابيات هذا النظام أفضل للمرشحين مع الاحتفاظ بالحقوق التى رتبها الدستور للفئات الأخرى.
وضع نظام متفق عليه من كافة القوى السياسية هو مهمة الجميع من أحزاب ومجتمع مدنى ونقابات لأنه فى النهاية هو النظام الذى يتشكل منه البرلمان، ومهمة وضعه لابد أن تسند لمتخصصين فى مقدمتهم أساتذة القانون وخبراء فى الانتخابات، ثم تتبناه الحكومة لمشروع قانون لاحالته إلى مجلس النواب أو يتبناه النواب لتقديمه للجنة المناقشة وإصداره من المجلس قبل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة.
يرتبط بهذا القانون تعديل نظام الدوائر الانتخابية التى أدى اتساعها فى الانتخابات الماضية سواء فى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ إلى فرض أعباء على المرشحين أدت إلى إخلالهم فى التواجد بين الناخبين لعرض برامجهم الانتخابية والاستماع إلى مطالب أصحاب الأصوات الانتخابية، كما يجب أن تتطرق التعديلات إلى الدعاية الانتخابية لوضع سقف اتفاقى مناسب للظروف الاقتصادية ومتطلبات العملية الانتخابية ومنع البذخ من جانب هواة الانتخابات أو المشتاقين للمقاعد البرلمانية.
إن تهيئة المناخ للانتخابات القادمة مع ترشيد الأحزاب السياسية مع فتح قنوات اتصال مع الناخبين ستكون مقدمة لانتخاب برلمان متكافئ له ظهير سياسى يساند الحكومة، كما يخلق أغلبية واضحة ومعارضة قادرة على إبداء الرأى الآخر، وأحزابًا وسطًا تميل يمينًا ويسارًا حسب الموضوعات المطروحة ويشكل كل ذلك فى النهاية، آلية ديمقراطية، وإنجاز مهام يستفيد منها الشعب عندما يجد نوابًا يعبرون عنه، وحكومة تعمل مطمئنة وتحت ضغط ويستفيد المجتمع من الزخم السياسى الذى يقطع الطريق أمام المخربين عندما يكون الهدف صالح الوطن من خلال الرأى والرأى الآخر.