رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بموضوعية

عندما أصدر الدكتور فرج فودة رحمة الله، فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى كتابة المعنون باسم «الملعوب» والذى كشف فيه فضيحة شركات توظيف الأموال، وكيف تم استغلال الدين فى أكبر عملية نصب تعرض لها المصريون، وشاركت فيها رموز دينية شهيرة سواء بحسن نية أو عن جهل أو تحقيقا لمنفعة، لم يكن الرجل التنويرى يدرى أن عملية النصب هذه سوف تستمر عشرات السنين، ويدخل آلاف المصريين نفس المصيدة فى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين

فعملية مصطفى البنك وشركاه -لاحظ هنا عبقرية التسمية - فى أسوان والتى وضع فيها آلاف المواطنين تحويشة العمر بين أيدى سائق توك توك مسجل جنائيا، ليتحول البنك بمفهومه المؤسسى والقانونى إلى مجرد نصاب متجول بين القرى يجمع الملايين ويعد السذج بالسمن والعسل، ولمَ لا وقد أخبرهم أن السيدة زينب طلبت منه توظيف أموال الغلابة والمدهش أن الغلابة صدقوا.

هذة العملية قدمت دليلا جديدا حول عدم تعلم الناس من تجارب السابقين، وبهذه المناسبة أتذكر كتابا مهما للراحل أحمد بهاء الدين، بعنوان أيام لها تاريخ وفى مقدمته يذكر حقيقة مدهشة، وهى أن الفارق الجوهرى بين الإنسان والفأر هى أن الإنسان لديه ذاكرة تجعله يتعلم من تجاربة، بينما الفأر لا يملك هذه الذاكرة، ومن ثم لا يتعلم من التجربة، فها هى الفئران تدخل نفس المصيدة وتموت بنفس الطريقة منذ آلاف السنين، فلماذا لم يتعلم المصريون من تجربة توظيف الأموال المريرة، ولا تزال فصولها تتوالى حتى الآن وكأنهم ممن يسيرون نياما كما يقول الكاتب الكبير أمين يوسف غراب فى روايته الشهيرة «السائرون نياما»؟

إجابة هذا السؤال تقتضى منا عمقا فى التحليل الاجتماعى والاقتصادى للمشهد الراهن فى مصر. صحيح أن الجهل والطمع وبعضا من العواطف الدينية لعبت دورا فى استمرار هذه الظاهرة، لكن من المهم أن ننتبه إلى أن النظام الاقتصادى يسمح بمثل هذه الثقوب والثغرات التى ينفذ منها النصابون، بمعنى أن الأفق مسدود أمام الكثيرين فيما يتعلق بمحاولات زيادة دخولهم، عبر استثمار مدخراتهم فى مشروعات صغيرة منتجة ومفيدة، رغم كل التيسيرات التى تقدمها الحكومة فى السنوات الأخيرة لمثل هذه المشروعات.

ولاتزال ملايين الجنيهات من أصحاب المدخرات الصغيرة تتدفق يوميا إلى قنوات الاقتصاد السرى وغير المنظم، لأن الاقتصاد المنظم فشل فى اجتذابها، ومن ثم فشل فى استيعابها فى أنشطة مجدية، ولا يزال الاقتصاد الشعبى يمضى فى مساراته بعيدا عن الأجندة الاقتصادية للدولة، لأسباب غير معروفة ولايزال الكثيرون يبتعدون بأموالهم عن البنوك، نتيجة تأثرهم بدعايات مضادة حول ربوية أعمال البنوك، الأمر الذى يتطلب النظر بعمق إلى ما يحدث فى قرانا ومدننا الريفية الصغيرة، لأن ما يحدث هناك يشير إلى أن ثمة تحولات اجتماعية كبيرة، لا ندرى عنها شيئا ولم تبادر أى جهة برصدها أو تحليلها بهدف الوصول إلى إجابة للسؤال الوجودى، وهو لماذا يصر البعض على أن يعيش دون ذاكرة ولا يتعلم من التجربة ويواصل حياته ضمن طابور السائرين نياما؟!