عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

عن دار ليفانت صدر كتاب (المقدس والسياسة) للدكتور حسن حماد، وهو معروف باتجاهه التنويرى والنقدى لكل ما هو ظلامى.. وفى هذا الكتاب يبين لنا ذلك التماهى بين ما هو مقدس وما هو سياسى.. وتلك التعرية التى يقوم بها المؤلف هامة لكى يتم فضح ذلك التلاقى والتماهى والتوازى لما هو سياسى خلف ما هو دينى وما هو مقدس، وذلك الفهم ضرورى لكى تتم اليقظة والوعى والإدراك لما يحدث فيتم التغيير المنشود والمرغوب والمأمول.

 

وخلال ثلاث حوارات يفضح المؤلف ذلك التلاقى والتماهى بصوره المتعددة.. يقول المؤلف: لا شك عندى فى أن تغلغل المقدس فى كافة تفاصيل الحياة السياسية واليومية فى عالمنا العربى هو العقبة الرئيسية التى تحول دون تحرر الإنسان العربى سياسيا وحضاريا، وأظن أن العرب لن يخرجوا من كبوتهم وأزمتهم طالما أن الموتى يحكمونهم من خلف شواهد قبورهم، وطالما أنهم يستمدون يوتوبياتهم عن طريق دولة الخلافة الإسلامية والحنين إلى العصر الذهبى للإسلام الأول! ولابد لنا من ممارسة هذه القطيعة المعرفية مع ماضينا الذى تحول بفعل القداسة إلى صنم أو معبود لا نكف عن الركوع والسجود له ليل نهار، القطيعة المعرفية وقتل الأب التراثى هما: الطريق للخروج من هذا النفق المظلم والتحرر الحقيقى من كافة الأوهام اللاهوتية والميثولوجية.

ولا ريب أن الدولة التى تستند فى دستورها وقوانينها وأحكامها ووجودها إلى نص مقدس لابد من أن تصبح مقدسة، وبالتبعية فإن الحاكم فى هذه الدولة سيكون مقدسا أيضا لأنه باسم الإله وباسم نص مقدس. إنه ظل الله على الأرض وتجسيد لإرادته ومشيئته. والمتوقع فى هذه الحالة أن أى خلاف أو معارضة أو نقد لهذا الحاكم سيكون نوعا من الكفر والعياذ بالله لأنه سيكون خلافا ومعارضة ونقدا للإله وليس للحاكم.

خلاصة الأمر أن الدولة التى يروج لها دعاة الإسلام السياسى بدءا من جماعة الإخوان والسلفيين ووصولا للدواعش وبوكوحرام وغيرها.. هى دولة إرهابية لا تستهدف إخضاع الدين للسياسة ولكن تستهدف بالأساس تحويل السياسة إلى دين، وتحويل النسبى إلى مطلق، وتحويل الدنيوى إلى مقدس. وبهذه الصورة فإن الإسلام السياسى لا ينزع عن الدولة نوازعها الإنسانية فحسب، بل إنه يحولها إلى دولة مقدسة ربما تتفوق فى جمودها على مدينة الله لأوغسطين، مدينة لا مكان فيها للنساء، ولا للحب ولا للتسامح ولا للأديان المخالفة، مدينة لا مكان فيها للفلاسفة ولا للعلمانيين ولا للمبدعين، ولا قيمة فيها للجمال والخيال والحرية، مدينة لا معنى فيها للمواطنة ولا للفرد ولا حتى للإنسان.

إن ذلك الفضح وذلك التفكيك للمقدس الذى يتغلغل فى حياتنا أصبح الآن هامًّا وضروريًّا وجوهريًّا، إذا كنا نريد حقا أن نسير فى الطريق الصحيح، أو إذا كنا نريد فعلا أن نصلح الوضع المتردى والآسن الذى نعيش فيه.. خلال صفحات الكتاب يتضح لنا أن كل العفن الذهنى وكل المساوئ التى نعانيها سببها الأوحد ذلك المقدس الذى أصبح مثل السرطان المستشرى فى كل خلايا المجتمع.. والسؤال: هل آن الأوان أن نفيق من تلك الغفلة التى نعيش فيها؟ كتاب هام من الضرورى قراءته.

--

 

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال

أكاديمية الفنون