خارج السطر
سأغرد خارج السرب، وأخالف القطيع، وأضع علامة تعجب على نُظم وقوانين وعادات وأفكار تجابه العدل وتنصُر الرجل على المرأة متى استحالت العشرة وانقطع رباط الزواج.
إن بعض الدراما الرمضانية مائعة بلا طعم، وبعضها الآخر كرمية حجر فى ماء آسن، يُحيى الجدل، ويُخاطب الضمير ويُلامس شغاف القلب، ويُحفّز العقل للتدبر والتفكر. وهذا ما فعله مسلسل «فاتن أمل حربي» المعنى بقضايا النساء المقهورات، وكم هُن فى بلادي.
ورغم رمزية العنوان المباشرة، فإن المسلسل الذى كتبه المبدع الكبير إبراهيم عيسى، يفتح أمامنا شرفات متسعة لنطل على خرائب مجتمعية نراها ونعايشها كل يوم دون أن يرتد لنا طرف باعتبارها أمورا طبيعية. فمَن منا لم يرَ فى محيطه النساء المطلقات التائهات والحائرات فى رحلات عذابهن اليومى بحثا عن حقوق يمنعها أزواجهن انتقاما وإذلالا. ينفصل الزوجان لأمر ما: فتور فى العلاقة، عدم تناغم، تباين نفسى أو لأى سبب آخر، فيرفض البعض الاتفاق الودى وتبدأ رحلة المحاكم طلبا لمسكن، نفقة، مصروفات مدارس، ومصروفات علاج، وغيره. فكل قضية منفصلة بمصروفات مختلفة، وإجراءات جديدة.
يطرح العمل الدرامى بهدوء ودون إثارة، تساؤلات منطقية حول قانون الأحوال الشخصية، وإن ما كان ظالما للمرأة. يقول العمل متسائلا «إن قانون الأحوال وضعه ذكور فى زمن كان ينظر فيه للمرأة باعتبارها مواطنا ثانويا، فهل ظلمها المشرعون بتحميلها آراء فقهاء القرون الوسطى؟
إن المثال المُقدم فى المُسلسل لافت، وربما لم نفكر من قبل فى السبب الذى دعا المُشرع إلى اسقاط حضانة الأم المطلقة حال زواجها. لماذا تُحرم الأم من حق حضانة أطفالها إن تزوجت رغم أن الزواج فعل مشروع يحض عليه الدين؟ وإذا كان لا يوجد نص دينى ثابت فى هذا الأمر، فلمَ قضى المُشرع بذلك؟
إن تطور التشريع أمر ضرورى يوازن تطور المجتمعات، وحسبنا أن نتذكر ما فعله وزير العدل الشهير عصام حسونة فى عهد جمال عبدالناصر، عندما عاهد الله أن يجعل عمله خالصا لتعديل القوانين التى تحمل ظلما لبشر، فوجد قانون الأحوال الشخصية يسمح للزوج بطلب زوجته الغاضبة فى بيت الطاعة وتنفيذ ذلك عن طريق الشرطة، حيث يذهب شرطى إلى بيت أهل الزوجة ويُجبرها أن تسير معه رغم إرادتها إلى بيت زوجها. وحكى عصام حسونة (والد سيدة الخير الراحلة أنيسة حسونة) فى مذكراته، كيف عاد إلى كتب الشريعة ولم يجد هذا ما يُدلل على أن ذلك الفعل يمت لها بصلة، وإنما كان رأيا لأحد فقهاء القرون الوسطى. وقرر الوزير إلغاء تنفيذ بيت الطاعة عن طريق الشرطة مصرحا بأن هذا يُسىء للمرأة المصرية ويُسىء أن يُنسب للشريعة الإسلامية. وقامت الدنيا ولم تقعد ضد الرجل، واحتشد نواب البرلمان لسؤاله واستجوابه (رغم أن أيهم لم يجرؤ أن يُسائل المسئولين عن الحريات فى زمن عبد الناصر) ووقف الرجل كالأسد الهصور يرد ويُحلل ويقاوم ذكورية البرلمان. وانتصر صوت العقل والتحضر، ورُفع بعض الظلم عن النساء، ليبقى ما فعله الوزير عملا صالحا فى ميزان حسناته.
إننى أعرف شوارب كثة، ولُحى كثيفة، وحناجر غليظة، وقلوب صلدة، تمنع الأبناء حقوقهم المفترضة، انتقاما لفراق أمهاتهم، ولا أتصور ولا أعتقد ولا أظن أبدا أن الرجولة (هذه الكلمة العظيمة) تعنى قهر امرأة مهيضة الجناح وإذلالها استغلالا لعاطفة الأمومة، لذا فأتمنى أن يُراجع المُشرع قانون الأحوال الشخصية لييسر على النساء وصولهن لحقوقهن وحقوق أبنائهن، علنا نلقى الله ببصمة خير.
والله أعلم.