على فكرة
حالة الدراما المصرية فى رمضان هذا العام تشرح القلب.. شاشة نحو 27 مسلسلا تحفل بالتنوع فى الموضوعات والتعدد فى الرؤى التى تعالجها، وربما يكون من المبكر فى الاسبوع الأول من عرضها الخوض فى تقييمها، لكن الانطباعات الأولى تكشف عن ظواهر جديدة مهمة، تفتح المجال لمزيد من آفاق تطورها ونهضتها واستعادة ألقها المعهود.
وقبل ثلاث سنوات قدم مسلسل «الاختيار» تجربة فريدة فى البطولة الجماعية، استمرت حتى الجزء الثالث الذى يعرض الآن، مستعيدا بذلك أمجادها فى عقود سابقة، لكن الجديد هذا العام، أن ظاهرة البطولة الجماعية قد امتدت لمعظم المسلسلات التى يتم عرضها، بما يجعل من الضرورى أن يصبح المحتوى بطلا بجانب نجومها، فضلا عن تقديم كم هائل من الوجوه الجديدة الصاعدة والواعدة، وتعدد شركات القطاع الخاص المشاركة فى انتاجها.
هذا تطور مهم، لا يفسح المجال لمشاركة معظم كبار النجوم فى الموسم الرمضانى فقط، بل يحفز كذلك على التجديد فى أفكار وموضوعات الدراما التى تستوعب طاقات كل هؤلاء النجوم، ويتيح مساحة لتنافس فنى إيجابى ومطلوب، يطور حتى فى أساليب الأداء والاخراج، ومختلف مكونات العمل الدرامى.
ومن الملاحظات الأولية، يبدو أن الرهان هنا ليس فقط على النجم الأوحد، الذى تقبله الجمهور من الفنان «عادل إمام» فقط، ولم يكن يستسيغه من غيره، بل أساسا على المعنى والرسالة التى تنطوى عليها المسلسلات. وتكشف البطولة الجماعية عن قدرات هائلة متجددة لنجومنا الكبار، كما تتجلى على سبيل المثال لا الحصر فى مسلسلات « راجعين يا هوى» و«أحلام سعيدة» و«فاتن أمل حربى» و«المشوار».. و«العائدون».
وبعيدا عن سخافة الإعلانات التى سطت برخامة وقلة ذوق وجليطة، على جزء من ذائقتنا الفنية رسخته فى روحنا بنعومة وخفة وذوق «سعاد حسنى»، تمكنت الفنانة « ياسمين عبدالعزيز» التى غابت عن دراما رمضان هذا العام، أن تفرض وجودها على شاشته، وتبهجنا كما هى عادتها بأدائها المميز وخفيف الظل، وبالخيال الواسع بمشاركة «كريم محمود عبدالعزيز» فى الإعلان عن الشركة الوطنية للاتصالات. وهو نفس الشىء الذى قام به باجتهاد فنى يدعو للإعجاب الفنان «عمرو دياب» فى إعلانه اللافت للنظر عن «البريد المصرى». وفى سياق بهجة الإعلاانات وحيويتها، يأتى كذلك إعلان «يا معافر» للموهوبة شيرين عن «بنك مصر»، وإعلان الفنان «عمرو سعد» عن المشروع القومى لتنمية المرأة المصرية، الذى يرعاه الرئيس «السيسى».
دعوة للتفكير والتحرر من مسلمات قاصرة لا إجماع على صوابها، يقودنا إليها فى الشهر الكريم مسلسل إبراهيم عيسى، ومحمد العدل ونيللى كريم وشريف سلامة «فاتن أمل حربى»، فالمسلسل وهو يناقش موقف الدين من حقوق المرأة، يفرق بين النص المقدس، وبين الاطروحات التلفيقية لبعض المدارس الفقهية التى لا تكف عن إشهار الهوامش والحواشى باعتبارها من المتون التى لا تمس، برغم أنها غير مقطوع بدلالتها وثبوتها، فيما يخص حقوق المرأة المطلقة.
وتفكيك البنية الفقهية السائدة والراسخة، التى تناهض كل اجتهاد، وترفض التصالح مع قيم العصر وحداثته، وتتجاهل ضرورات بناء المجتمع المدنى، الذى تغدو فيه حقوق المواطنة والمساواة قيما راسخة، هو هدف شجاع وجرىء لهذا المسلسل، يستحق التحية والتشجيع، لا الخفة التى يتم تناوله بها على وسائل التواصل الاجتماعى.
تبقى التحية واجبة للشركة المتحدة التى أدارت هذا الموسم من دراما رمضان، بحكمة وذكاء وشطارة، جعلت المصلحة العامة هدفا لعملها أولا وأخيرا، ولبت طموحات معظم أطراف صناعها، وفتحت مجالا كبيرا لتعدد خياراتها، فأسعدتنا بهذا التنوع الذى يسر القلب ويشرح الصدور.