عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا أحد ينكر أن عبدالحليم حافظ الذى رحل فى 30 مارس 1977، يمثل ظاهرة بارزة فى تاريخ الغناء العربى والمصرى.. يمكن أن يستحوذ على الذات ويدخلها بكل سهولة ويسر.. هو فنان لديه القدرة أن يخترق الوجدان بلا أدنى ممانعة أو بلا استئذان.. أنت تجد نفسك متواشجا معه.. تصدقه.. وتتوحد معه وتستمتع به.. ولا ترى أنه يغنى هو يعبر عنك أو هو قادر أن يجعل أحاسيسك تشعر بكل ما يقوله سواء من ناحية الكلمة أو الموسيقى.. أو الأداء.. إلى جانب أنه استطاع أن يعبر عن حقبة من التاريخ المصرى ومتغيراتها وأحداثها.

يقول عنه الكاتب الكبير توفيق الحكيم: «كنت كلما سمعت عبدالحليم أو أشاهده فى التليفزيون أقول فى نفسى.. هذا هو الصوت القطيفة.. ثم راقبته بعد ذلك وهو يغنى فوجدت أن الصوت لا يخرج من فمه كأغلب المطربين، ولكنه يصعد مباشرة من أعماق قلبه.. لذلك فإن صوت هذا المطرب لا يملأ الأذان ولكنه يملأ القلوب».

لقد امتلك عبدالحليم قدرة عالية من الذكاء، فهو يرفض أن يكون مجرد مؤدٍّ عبر الكلمة واللحن.. كانت الكلمات لا تخرج من فمه وإنما هى تعبير مجسد عن الحالة الوجدانية الداخلية له.. ولأنه كان صادقا.. فقد تجاوب معه الجمهور وتفاعل معه وصدقه.. لذلك عشقه. وبقى حليم رغم الرحيل.. مثل تلك النماذج هى نادرة فهى عبارة عن مجموعة من القدرات المجتمعة والمتفاعلة والمترابطة.. وتعمل فى هارمونية واحدة لتكون النتيجة هى ما نراه.. فنحبه ونعشقه ومن ثم تكتب شهادة البقاء والاستمرار عبر الأجيال رغم الرحيل الجسدى.

وعندما تسأل ترى لماذا لم تظهر نماذج تمكنت أن تحتل نفس المكانة.. السبب ببساطة هو فقدان القدرات المتكاملة والمتفاعلة، ناهيك عن القدرة على توظيفها.. فهناك من يملك المقدرة الصوتية.. لكن لم يمتلك القدرة على التأثير ولا على إحداث الفاعلية أو الحالة التفاعلية مع المتلقى.. هو يمتلك قدرة أو قدرات صوتية جميلة.. لكنه لا يمتلك القدرة على النفاذ إلى وجدان ومشاعر المتلقى.. لم يشعر المتلقى بأنه يخاطب وجدانه وأحاسيسه.. وإنما هو يخاطب آذانه، وعندما يشبه توفيق الحكيم صوت عبد الحليم بـ(القطيفة) فإنه كان رائعا وجميلا فى دقة التعبير.. فالقطيفة تمتلك النعومة والجمال وتستشعر الذات مدى جمال لمسها.. فهى لا تقف عند الملمس فقط وإنما تتعدى ذلك للوصول للمشاعر الجوانية للشخص ومن ثم يعشق القطيفة.. ويرغبها ويحب دوما أن تتواجد معه أو تظل تلامسه وتداعبه فيشعر بالانتشاء والنشوة النفسية، ومن ثم تتألق الذات وتنتشى بالسعادة.

ومن سمات القطيفة أنها تؤثر فى الذات سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى.. ناهيك أن القطيفة جذابة للآخرين لمعرفتهم بروعة ملمسها وجمال الاقتراب منها.. هكذا وصف توفيق الحكيم صوت عبدالحليم حافظ.. وقد كان هو كذلك.. وهذا هو السبب الذى يجعلك تدرك لماذا بقى عبدالحليم رغم الرحيل؟ وما زال يجد من يحبه ويستمتع به.. إنها القطيفة النادرة على جذب المتلقى وقادرة على مداعبة مشاعره.. رحم الله توفيق الحكيم ورحم الله عبدالحليم حافظ.

---

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال - أكاديمية الفنون