رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كن فى بيتك! من كورونا إلى هيدجر! تشدو فيروز جارة القمر بأغنية جميلة (خليك بالبيت.. الله يخليك...) والبقاء فى البيت هو السبيل ألا تصاب بفيروس الكورونا.. فى البيت ضمان أكيد لسلامتك ولسلامة الآخرين.. كن فى بيتك.. تلك الدعوة من كورونا.. لكن سبق لهيدجر الفيلسوف الألمانى المعاصر (1889- 1976) قال نفس الشعار.. لقد فقد الإنسان المعاصر السكنى.. الإنسان المعاصر مطرود من بيته، إنه مغترب وأصبح بلا مأوى، الإنسان المعاصر لاهث دوما نحو التكنولوجيا وكل ما هو متطور، هو لاهث نحو رأس المال وأسعار الأسهم فى البورصة.. لقد نسى الإنسان المعاصر أن يعيش فى الوجود.. بل هو يحطم الوجود ومن ثم لم يستطع أن يسكن فى الوجود.. لقد أصبح الإنسان المعاصر فى قلق لا محدود ويندفع دوما إلى العدم.

لقد انزلق الإنسان المعاصر ولم يعد يسير فى الطريق المستقيم.. إنه يسير فى طريق الضياع والخسران والتشتت، ونسى الإنسان الوجود.. لم يعد ينظر للوجود بشاعرية.. وآن الأوان أن يعيش بشاعرية، أن يصبح الشعر وسيلته ليشعره بذاته وبالوجود فيتم التناغم بين الإنسان والوجود وفى تلك اللحظة يشعر الإنسان أنه يعيش فى بيته. يقول هيدجر فى مقاله (الشعراء من أجل ماذا؟): اللغة هى المستقر، إنها بيت الوجود. فماذا فعلنا بهذا البيت؟ لقد قوّضناه، فطُردنا من بيتنا.. أصبحنا فى العراء لا نملك سوى لغة الأشياء التى تملك الإنسان بدلا من أن يمتلكها.

إن اللحظة الراهنة تدعونا للعودة إلى الذات.. وعندما نعود للذات الحقيقية نعيد بناء البيت.. البيت الصغير والبيت الكبير.. أن نعيش فى البيت بدرجة عالية من الحميمية، أن تشعر الذات بالأمان فى البيت.. وعلى نفس الشاكلة أن تشعر الذات الكلية بالأمان فى البيت الكبير وهو الوجود. أن تشعر فى الوجود بالاطمئنان وأن تشعر بالإنسانية بدل تلك المادية القاتلة وكل صور الجحود والتدمير.

من المؤكد أن العالم قبل كورونا غيره بعد كورونا.. الأمر المؤكد أنه سيتغير.. وآمل أن يتغير إلى الأفضل ويعرف الإنسان قيمة أن يعيش فى بيته بشاعرية.. أن يجد ذاته التى اغتربت وضاعت فى عالم الشتات واللهاث.

فهل نقول شكرا كورونا؟ إلى حد ما.. فبرغم الجانب السلبى والمعتم للحالة التى يعيشها العالم، إلا أن الأمر له جانب إيجابى.. يكفى أن العالم بأكمله يتفق على هجران الضجيج والزحام ليخلد إلى البيت.. وأخيرا.. أمكن للأرض أن تتنفس الهواء النظيف.. فكما تشير كل الإحصائيات وما تخبرنا به الأقمار الصناعية أن نسبة ثانى أكسيد الكربون المنبعث من الأرض قلّ إلى درجة كبيرة جدا، وهذا ما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية.. وعلى ذلك.. هل أن للإنسان الضال أن يعود لنفسه ولبيته؟

--

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بأكاديمية الفنون