رحل عن عالمنا إثر حادث أليم د. أيمن أبوالحسن الطبيب الخلوق الإنسان كما ينبغى للإنسانية أن تكون يجمع بين العلم والخلق والأدب والثقافة فهو إلى جانب كونه أستاذاً فى التحاليل وفى الجودة الطبية إلا أنه قارئ متعمق وعاشق للأدب المصرى والعربى والعالمى ومحب لأدب نجيب محفوظ ويحلله ويدرسه بتعلم وفكر المثقف الواعى الدارس لهذا الكاتب العبقرى صاحب نوبل فى الأدب، والذى أرسى أسس فى الرواية العربية الحديثة مفهوم البطولة والنبل، الذى أصبح قيمة لا يلتفت إليها أحد ولا يتحدث عنها إلا الحالمون الذين ما زالوا يعيشون فى عصور مضت، فقد رحل أيضاً العديد من الفرسان كل فى مجاله أمثال جلال الشرقاوى المخرج والأستاذ المسرحى الكبير ذو الإسهامات الكبرى فى مجال المسرح، حيث كان من أوائل الأساتذة فى المعهد العالى للفنون المسرحية وعميداً للمعهد عام 1975، وله العديد من المؤلفات عن فن المسرح وعن السينما. وكان من أول من طبق نظرية المتلقى فى كتابه عن «مدخل إلى دراسة الجمهور فى المسرح المصرى» وكذلك كتابه عن «السينما فى الوطن العربى».
وبالإضافة إلى عمله كأستاذ ومؤصل لعلوم المسرح الحديث فى مصر إلا أنه كان ممثلاً فى الإذاعة والسينما والتليفزيون، وأخرج أكثر من خمسين عملاً مسرحياً من أهمها: مسرحية الخديوى وعلى الرصيف والجوكر لمحمد صبحى، وكان له مسرح باسمه يخرج وينتج على خشبته فهو تاريخ حافل بالعطاء مثله مثل الكبير المتألق الفنان محمد صبحى الذى تعرض فى الأيام الماضية لحملة شرسة من أحد الأثرياء الجدد ولم يشفع له تاريخه الفنى ولا فروسيته فى عمله الخالد فارس بلا جواد 2002، ذلك المسلسل الذى كشف عورات حكماء صهيون وقدمها بكل جرأة وحرفية فى مسلسل تليفزيونى لم يلاقِ الإقبال الجماهيرى المطلوب والمرجو وتم منع عرضه فى العديد من الدول العربية، وتعرض للتهديد والوعيد من قبل الجهات الموالية العالمية، محمد صبحى الذى أسس مدينة صبحى للفنون، وأذكر أنه منذ أكثر من عشرين عاماً تم دعوتى وطلاب الأكاديمية العربية لقضاء يوم كامل فى ضيافته حيث كانت تحت الإنشاء ولكنه تحاور مع الشباب عن أهمية الفن والمسرح والتاريخ ودور الفنون فى تشكيل الوجدان والسلوك وكيف لنا أن نستثمر المستقبل فى الفن والإبداع وحلمه بأن تكون هناك أكاديمية خاصة للفن والمسرح والتمثيل والإخراج والسينما والغناء والرقص الحركى والإيقاعى وقضى اليوم وهو يطهو بنفسه مع زوجته الراحلة الطعام للشباب ويقدمه لهم بكل الحب والنبل والفروسية التى جعلته بابا ونيس على مدار ستة أجزاء من عائلة ونيس ذلك المسلسل الذى بدأ عام 1994 حتى 2011، وكان هدفه الدائم هو إرساء القيم والمُثل ومحاربة الفج والمسف والقبيح وإرسال رسائل إيجابية للنشء الجديد عن معانٍ وقيم نبيلة وسامية من حب وعطاء ووفاء وإخلاص، حتى الزوجة حين ترحل ولم يكتفِ بهذا وإنما آل على نفسه مهمة إحياء تراث المسرح الكوميدى العظيم لنجيب الريحانى فى لعبة الست وفى غزل البنات وكذلك المسرح العالمى فى «كارمن» وكانت علاقته بالعظيم لينين الرملى علاقة فارقة فى تاريخه الفنى، ويكفيه الأعمال الكبرى التى قدمها مثل بالعربى الفصيح ووجهة نظر حتى الأعمال الأخيرة نجوم الظهر، خيبتنا على مسرحه فى مدينة صبحى.
هل يعقل أنه بعد تاريخ سينمائى وتليفزيونى ومسرحى وإنتاج وإخراج وكتابة وحضور فى الحياة الثقافية والفنية أن تتراجع النقابة وأصدقاؤه من الفنانين عن إبراز دوره المهم وإسهاماته فى الحياة الفنية والفكرية المصرية والعربية.
إنه فارس آخر نبيل وبطل فى مجاله ليس فقط على الورق أو فوق خشبة مسرح أو شاشة سينما أو تليفزيون إنه فكر وسلوك وعطاء.. النبل والشهامة والرجولة والبطولة لمن نعرفهم سواء كانوا أناساً عاديين أو نجوماً أو أساتذة.. طوبى لمن رحلوا وكل التقدير لمن ما زالوا يحاولون.