رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

فى 1831 فى الثالثة والأربعين الآن، مقيمًا فى برلين، يفكر شوبنهور مجددًا بالزواج، يحول أنظاره إلى فلورا فايس، وهى فتاة جميلة مفعمة بالحيوية كانت قد بلغت السابعة عشرة للتو. خلال حفلة على قارب وفى محاولة لاجتذابها، يبتسم ويقدم لها بعض العنب الأبيض. تبوح فلورا لاحقًا فى مفكرتها: «لم أكن راغبة بها (حبات العنب). شعرت بالاشمئزاز لأن العجوز شوبنهور قد لمسها، ولذا تركتها تنزلق، بلطف، نحو المياه خلفى). يغادر شوبنهور برلين على عجل: «ليس للحياة قيمة جوهرية أصيلة، ولكنها تستمر بفعل الرغبة والوهم».

فى 1859 لأن الشهرة تجتذب اهتمامًا أكبر من النساء، بدأت حدة آرائه بشأنهن تخف. فقد كان يعتبرهن «صالحات لأن يكنّ ممرضات ومعلمات لطفولتنا المبكرة، لأنهن، على نحو دقيق، صبيانيات، سخيفات، قصيرات النظر، أي- بكلمة واحدة- طفلات كبيرات، طوال حياتهن»، والآن صار يعتبرهن قادرات على الإيثار والتبصر، تأتى نحاته فاتنة ومعجبة بفلسفته، اليزابيت ناى، إلى فرانكفورت فى أكتوبر فى شقته لشهر كى تنحت تمثالًا نصفيا له.

«تعمل طوال اليوم فى شقتى. وحين أعود من المطعم بعد الغذاء، نشرب القهوة معًا، ونجلس متجاورين على الصوفا، فأشعر كما لو كنا متزوجين».

وإذا أردنا تلخيص الفكر المتّقد لشوبنهور حول الحب لوجدناه عبارة عن سلسلة من الشقلبات الساخرة التى يؤديها اثنان من الحمقى بلا طائل يذكر! إذن، وليس من قبيل المصادفة إذا رأى شوبنهور، المُخلص للعزوبية وللجيش الألمانى، أن هذا الشىء المدعو حبًا لا يباشر إلا فى منأى عن الأبصار وداخل الأماكن المغلقة متوسطة الإضاءة. إذ لا يمكن أن يشعر كائن، أيًا كان، بالفخر من هذا الشىء المقزِّز، الذى قد يكون مسليًا ولكنه تراجيدى فى أغلب الأحيان.

كان الفيلسوف يتبع روتينًا يوميًا صارمًا. كان يكتب ثلاث ساعات فى الصباح، ثم يعزف على الفلوت (روسينى) لساعة، ثم يضع ربطة عنق بيضاء لتناول الغذاء فى المطعم الإنجليزى فى ساحة روسماركت بفرانكفورت. بعد الغذاء يرتاح.. منتصف العصر، يبدأ نزهته مشيًا لساعتين مع كلبه على ضفاف الماين.

1840 يشترى كلبة بودل بيضاء جديدة ويسميها أتما،على اسم روح – العالم عند البراهمانيين. كان منجذبا عموما إلى الأديان الشرقية وإلى البراهمانية خصوصا. فى 1843 ينتقل شوبنهور إلى منزل جديد فى فرانكفورت،رقم 17 فى شارع شون آوسخت قرب نهر الماين فى مركز البلدة. وقد عاش فى هذا الشارع بقية حياته، رغم أنه انتقل عام 1859 إلى المنزل رقم 19 بعد جدال مع صاحب المنزل بسبب الكلب.

1850 تموت أتما. يشترى كلب بودل بنيا اسمه بَتْس، الذى يصبح كلبه المفضل. وحين كانت تمر فرقة عسكرية قرب منزله، كان شوبنهور يوقف أحاديثه ويضع كرسيًا قرب النافذة بحيث يمكن لبتس مشاهدتها. وكان أطفال الحى يسمون هذا الكلب «شوبنهور الصغير».

«إن كان هناك من يشتهى الرفقة ويطلب المسلاة التى تخفف عنه الشعور بالوحدة فإنه لم يجد خيرًا من محبة كلب أمين يجد فى طباعه وصفاته الذهنية بهجة وإمتاعًا ما عليهما من مزيد».

ولعله رأى فى الكلب القدرة على الفهم.. ربما لم يفهمه أحد من البشر ولم يلتفت إليه صديق، فلم تذكر لنا سيرته أى إنسان كان على مداومة الاتصال أو صديق عبر رحلة العمر.. لكنه وجد ذلك عند الكلاب. ربما تكون الكلاب لديها القدرة على الفهم والتعاطف والصدق لرفيقها.. وهذا الأمر واضح عند شوبنهور.. لذلك عشق صحبة الكلاب، ولم يتمكن أن يصحب امرأة.. إنها المفارقة وقد تكون مضحكة ولكنها فى نفس الوقت مريرة ومعبرة أكثر.

شوبنهور.. أمه جعلته يكره الحب والمرأة، لذلك اتجه لحب الكلاب ليجد عندها الوفاء والعزاء.