رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

نيتشه.. فيلسوف.. شاعر.. عبقرى.. استثنائى.. مجنون! كل ذلك صحيح بدرجة ما..كان يريد, ولكن ليس كل ما يريده المرء يلقاه.. وقف ممسكا بالمطرقة.. أراد أن يحطم كل ما قد تم التعارف عليه والثبات عليه.. انتقد.. وكان مرعباً.. وكان مدهشاً فى نفس الوقت..لا أحد ينكر أنه كان صادقاً, وكان يكتب بدم قلبه (كما يقول) وليس بيده.. ولأن الإنسان المبهر والجديد غالباً ما تتآمر عليه الظروف أو كأن الحياة لا ترغب فى أى شخص يحمل الديناميت.. لذلك وجدنا الجنون يغلف الصورة النهائية.. ورغم ذلك بقى نيتشه مبهراً وجذاباً ومرعباً.

كانت المفارقات هى التى تحدد حياته.. هو الذى يدعو للقوة أو لإرادة القوة فى الوقت الذى يعانى هو نفسه من المرض والضعف.

ويمكن القول إن نيتشه بمثابة ومضة فى تاريخ الفلسفة المعاصرة.. إنه الرافض للعقل والعقلانية والحداثة وكل تبعاتها.. إنه الداعى لطرد العقل!.. إنه يخترق الإنسان لإيقاظ الذات الداخلية القادرة على تدمير كل أوهام العقل ومنطقياته المدمرة.

(نيتشه).. فيلسوف حقيقى لأنه يهدم ويبنى فى آن واحد.. ولم يقبل أبداً بأن يكون مجرد (عامل فلسفي) مثل الآخرين.

نختلف معه كثيراً ورغم ذلك تجد نفسك متفقاً معه بطريقة أو بأخرى..إنه يدهشك ويجعلك تسأل وتتحير..نيتشه فى لحظة ما يجعلك تلقى بكل كتبه من النافذة لتتخلص منه.. لكن ما تلبث أن تهرع إلى الطريق لتجمع ما ألقيته مبديا الكثير من الأسف والاعتذار عما فعلت.. إنه الفيلسوف الذى يؤرقك كثيرا.. وقليلاً ما ستتخلص من ذلك الأرق.

وتعيش القلق والأرق لأنه يفزعك بمقولته (إن الله قد مات..) فماذا أنت فاعل؟ ومع قراءتك مرة تلو الأخرى بشكل أكثر عمقاً.. يتبدى لك الأمر.. إن الإله الميت عند نيتشه هو الإله القاسى المعذب للإنسان.. إنه المتوعد للإنسان بخلودهم فى جهنم.. هذا الإله بالنسبة لنيتشه قد مات.. إن إله نيتشه هو المحب الفرح المرح.. إنه الرحيم بالإنسان والكريم به.. ويريد الإله القريب من الإنسان وليس المفارق والبعيد والغريب عنه. إنه يريد الإله الراقص..فهل يعقل أن يكون الإله راقصاً؟ تلك رؤيته!!

ثم نجد (السوبرمان).. فماذا يعنى ذلك الأمر؟ يقول نيتشه إن الإنسان الحالى هو مرحلة من أجل إيجاد الإنسان الأعلى (السوبرمان) يجب علينا أن نخلق الفرصة لوجود ذلك الإنسان الأعلى..فماذا يعنى ذلك؟ هولا يريد الإنسان العادى المتقولب المتشئ والمغترب عن ذاته, هو يريد إنسان قادر على التعبيرعن ذاته.. الإنسان الفرح المرح.. الإنسان الذى تتحقق ذاته وليس الإنسان الذى تم تصميته وإخراجه للمجموع ليصبح واحداً من القطيع.. السوبرمان يحقق كل ما بداخله بكل حرية وفرح وسعادة.. عكس الإنسان الآنى الذى يقمع نفسه ليسير وفق الأخلاق العقيمة المفروضة والتدابير والتعاليم والأعراف والاعتقادات التى تقتل كل ما هو إنسانى داخل الإنسان.

ويمكن لنا أن نُدخل نيتشه ضمن فئة المبدعين.. لأن نظرته مختلفة تماماً من كل ما هو نمطى.. وكل ما يقوله الفلاسفة.. مبدع لأن الأقلية يمكن أن تفهم ما يريد قوله, هو مفكر جديد غير مستهلك, غير معتاد غير مألوف, من ثم يُفهم بعد جهد ووقت.

وماذا يعنى الإبداع؟ يعنى إمكانية الابتعاد.. الابتعاد عن المعتاد والمستهلك والمألوف.. فى الإبداع سفر بعيد.. إنه يبتعد بعيدًا لكى يأتى بالمدهش والمرعب أيضا.. الإبداع هو إمكانية أن تكون الذى لايمكن أن يكونه الآخرون, لأنهم مكبلون بالذى هم فيه.. إن الواقع تمكن من إفقادهم القدرة على الطيران بعيداً ومن ثم أصبحوا غير قادرين على رؤية المدهش والجديد والمرهب والجميل.

هذا هو كتابى الصادر عن دار ليفانت بالاسكندرية.. أمل ان تستمتعوا بقراءته.